عزوف
الطلاب عن التعليم العالي: حوافز نظام ام حوافز ذاتيه؟
ذكر تقرير (اين الشباب القطري عن
التعليم العالي) في "قطر اليوم" عدد نوفمبر ٢٠١٢ ان السبب هو تدني
الحوافز لدى الطالب المواطن.
وركزت اول ست توصيات من الدراسة (١٢من
أصل توصية) والتي شاركت فيها شركة بوز
وشركاؤهم الاستشارية على رفع مستوى الحافز لدى المواطن وكأن المشكلة في شخص وليس
نظام.
وحتى توصيات الدراسة التي ركزت في رفع
مستوى الحافز لدى الطالب لم يكن لها أي داع لأن الأنظمة تستطيع معالجتها عندما
تطبق آليات التنفيذ والقوانين المرسومة بالشكل الصحيح. مثلا عدم الانضباط يمكن
التغلب عليه بوضع لائحة سلوك وتطبيقها بالتدرج ورفع مستوى العقاب حتى ينضبط
الطالب. اذا الخلل في القيادات المشرفة والمحاسبة المهنية من قادتهم الأعلى. ولا
يكمن الخلل في الشخص لأن حافزه هو نتاج مخرجات المنظومة التي تؤثر عليه. فمسألة
الانضباط افرزها المجتمع بتسيب المسؤولين في فرض القوانين.
واذا كانت الجامعات الاجنبية عالمية
وتحاول الحفاظ على سمعتها فانها ستخرج اعداداً متدنية من الخريجين القطريين. هل
هناك دولة في العالم لديها اصعب الجامعات في شروط قبولها فقط ولا تتوفر جامعات
معتدلة وكليات مجتمع واخرى مهنية؟ حتى الولايات المتحدة نفسها لديها جامعات متوسطة
وضعيفة ومسارات اخرى موازية تتناسب مع مستويات الطلبة الذين خلقهم الله من كل
صنف.
كم كانت نسبة اقبال القطريين على
التعليم العالي في السابق؟ اليست جامعة قطر هي الجامعة التي خرجت ما يزيد على ٣٣
الف خريج وخريجة؟ لماذا لم يكن التحفيز مشكلة في الفترة السابقة؟ واذا كان السؤال
الى متى ستظل جامعة قطر في مستوى متدني ولا بد أن يأتي اليوم الذي فيه سترفع من
سمعتها؟ ، فيمكنها ذلك بدراسة مسؤولة واكثر نضجاً بأن تتدرج وتؤسس البنية التحتية
الصحيحة برفع مستوى هيئة التدريس والطلاب قبل تخرجهم من مراحل الدراسة الابتدائية
والاعدادية والثانوية. عندها ستستقطب طلاب متميزون. والخطوة الثانية هي خلق مسارات
بديلة لمن لا يحظى بالقبول في مسار معين.
واذا كان الطلاب لا يجدون مساراً آخرا
مثل التعليم الفني فحتماً سيُحبطون من اعمالهم المستقبلية التي لن يتوفر لهم
سواها. وستبقى هذه الوظيفة في اغلب الأحيان لهدف كسب المعيشة فقط. وهنا يكمن خطأ
النظام وعوامل فشل حوافز المنظومة والحوافز الذاتية.
واذا كانت المدارس المستقلة لا تؤهل
الطلاب لامتحانات القبول في الجامعات العالمية حتما سيكون هناك عزوف قسري يجبر
الطالب على العمل لعدم توفر خيارات اخرى مناسبة آملاً ان يبتعث عن طريق جهة عمله
ان حالفه الحظ.
واذا كان سوق العمل في القطاع الخاص
يعتمد على العمالة الاجنبية الرخيصة فلن نجد الغالبية من المواطنين في هذا القطاع
الحساس والهام للتنمية المستدامة. فالشركات الصغيرة والمتوسطة هي مراكز ابداع
للاقتصاد الوطني وغيابها يؤثر في تقدم التنمية. اما وجود الاجانب فلا يساعد على
نقل التقنية المستدامة ولكن يساعد على تطور سنوي في الايرادات قصير المدى ولا نقصد
هنا المؤسسات النفطية.
واذا كان اعادة تأهيل المواطن وتوظيفه
مكلف في القطاع الخاص فان القطاع الخاص سيعزف عن توظيف المواطنين وسيتحمل القطاع
العام هذه التكلفه عاماً بعد آخر وهي في ازدياد وغالباً لا تحقق مبادرات اعادة
التأهيل نتائجها المرجوة لضعف الاساس التعليمي لدى الطالب.
واذا غاب الذكور القطريين عام ٢٠١١ عن
اي تخصص علمي في جامعة قطر فلا بد ان تراجع الجامعة السبب والذي سيرجع غالباً الى
سياسات القبول وعدم طرح التخصصات الدراسية المغرية لسوق العمل.
واذا كان القطاع العام افضل مالياً من
القطاع الخاص في الرواتب والامتيازات فالمواطن لديه التزامات قاهرة ليلبيها اهمها
كما ذكر مثلث ماسلو في ادنى هرم الاحتياجات وهو الارض والقرض. فالاسعار فلكية لا
يمكن للقطاع الخاص حتى ان يمهد لها والا افلس.
واذا لم ينجز الاطار الوطني للمؤهلات
حتى اليوم فلا توجد هناك مسارات فنية كافية توازي المسار الاكاديمي وستقل الفرص
لوضع الطالب في التخصص المناسب لميوله الذي لا تستطيع الانظمة الحالية اكتشافه.
اذاً ما سبق ادلة كافية على ان الخلل
في الانظمة وليس في الحافز الذاتي لدى الشخص. وللأسف القيادات المتميزة بالفراسة واستشراق
المستقبل وتحليل مكامن الخلل بدقة والسعي لتجنبه وتطوير المنظومة التعليمية
والتدريبية نادرة أو غائبة عن الساحة. فأفضل الشركات الاستشارية اتت بالخلاصات
التي ننتقدها هنا والتي لا تمت بصلة لموضوعنا ، فهل تحاول مجاملة صاحب القرار
او ان هذا اعلى ما استطاعت طرحه. او ان من فسر الدراسة لم يفهم معنى الحوافز؟
ان ما يعنينا هو الحوافز المتوفرة
للطالب والتي تقدمها الانظمة مثل المجلس الاعلى للتعليم وجامعة قطر ووزارة العمل
والكليات والمعاهد الفنية والجامعات الاحنبية. وكذلك ما تستطيع المؤسسات شبه
الحكومية الكبيرة والمقتدرة مادياً تقديمه لاصلاح ما افسدته المنظومة التعليمية من
اعادة تاهيل ومنح دراسية.
واذا اردنا ان نعزو السبب لهذا الخلل
فحتماً سيكون التطور المفاجئ هو الذي ارتكب هذه الجريمة. فاكتساب المعرفة يتصاعد
تدريجيا وتحتاج المعلومات الوقت الكافي لتتحول الى معرفة. اما قياداتنا فلا صبر
لها فكل مسؤول يحاول ان ينسب انجاز سريع لإسمه. ولم نشهد تلك الخطة المرسومة التي
يحقق كل صاحب يتوالى على المنصب جزءاً منها. وهناك فشل آخر وهو نوع التكنوقراطيين
الذي يستشيرهم صاحب القرار. فما نطرحه اليوم يعكس عدم قدرتهم على سبر اغوار ثقافة
المجتمع ومنظوماته.
ان كان ثمة نجاح نعزوه اليوم في تفوق
طلبة قطر فهو من جهودهم الغير اعتيادية التي بذلوا فيها الساعات وحرموا من النوم
وزيارات اقربائهم والتلذذ بمغريات الحياة ، فقط لسد الفجوة التي اخفق التعليم
بسدها واصبحوا اشخاصاً يحيون حياة غير طبيعية وغير متزنة بين العمل أوالدراسة وبين
المنزل أوالمجتمع. لا ننكر المبادرة التعليمية فهي نجاح ولكن لن نراه اليوم
فالمبادرة التعليمية لم تطبق بالشكل الصحيح المنطقي وهي التدرج. فهذه المبادرة اتت
تسبق وقتها بأكثر من عقد. وسيبقى الحل لتطور التعليم في ظل عدم القيام بخطط ادارة
للتغيير هو عامل الوقت. فمن بدأ بالمبادرة التعليمية منذ الصف الاول الابتدائي
وجماعته الصفيه ومن تلاهم هم من لهم اكثر حظوظ النجاح في تطبيق المبادرة عندما
يتخرجون. وعندما نتكلم عن تطبيق المبادرة في ٢٠٠٤م فان هؤلاء سيتخرجون عام ٢٠١٦م.
وسنبدأ نقيس النجاحات بعد تلك السنة. اما من كان قبلهم وتبدل فجأة من نظام الوزارة
السابق الى نظام المدارس المستقلة فأعانهم الله وذويهم.
واذا اردنا ان نفرق بين خطأ النظام او
خطأ الفرد لننظر الى الرسمين البيانيين الذين يمثلان شكل الجرس. ففي الرسمة (أ)
نحاول دراسة اعداد الذين تم قبولهم في الجامعات المحلية. فإن كانت الأغلبية هي
نصيب من تم قبولهم فإن هذا دليل واضح على ان اي فشل هنا هو الفشل الفردي. ويبين
الرسم (ب) العكس فهو يدرس أعداد الذين لم يتم قبولهم في الجامعات المحلية. فان
كانت الاغلبية هي من لم يتم قبولهم فهذا دليل واضح على اخفاق النظام.
اذا فالحلول بسيطة لا تحتاج
لاستشاريين من خارج ثقافة المنظومة وخلاصتها:
1.
ان
المشكلة ليست في الشخص ولكن في النظام
2.
انظمتنا
لا تطبق القوانين التي تنظم الأداء بالشكل المطلوب وهو دليل على نقص في القيادة
3.
يجب
ان تطرح بدائل اخرى للتعليم الجامعي معتدلة واخرى مهنية
4.
انشاء
اطار المؤهلات المهنية وتكامله مع المسار الاكاديمي
5.
يجب
ان ينصب تركيز الجامعة على تخريج معلمين متشربين بروح المبادرة التعليمية ومتسلحين
بالمعارف المطلوبة والمهارات اللازمة والقيم المطلوبة لانجاحها
6.
تقييم
المدارس المستقلة في الجوهر وليس المظهر والتركيز على تطوير عملية نقل الخبرات
التعليمية الى الطلاب ووضع اهم هدف وهو اعدادهم لدخول الجامعات المحلية والخارجية
7.
مراجعة
المعايير الدراسية لجميع المواد التعليمية والتي وضعت عام ٢٠٠٤ ولم تراجع حتى
اليوم
8.
تطوير
القطاع الخاص لتحفيز المواطن في الانحراط فيه ومن ذلك تسهيل الحصول على المصادر
المالية والاراضي الصناعية والتجارية فالوضع الحالي لا يحفز. كذلك وضع سياسات
الابداع وسياسات القطاع الصناعي وربط الاعمال المكملة مع بعضها وتوفير البنية التحتية
التي تساعد على تطوير سلسلة القيمة المضافة. ايضاً وهو مهم ويطبق في العديد من
الدول تكسيف الاسواق ليستفيد منها الفقير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق