الخميس، 26 نوفمبر 2015

عندما تموت الكرامة

عندما تموت الكرامة
د. راشد علي السعدي
لم تمر علينا محن متشابكة ومعقددة كتشابك وتعقيدات خلايا الدماغ مثل ما يمر علينا اليوم. كل خلية لها وظيفة تؤديها عبر رسالة من خلايا عصبية دماغية وتشترك مع عدة خلايا تنسق وظائفها بإشارات مختلفة. كذلك ، كل عنصر من عناصر الصراع لديه وجهة نظر مختلفة ينقلها من خلال وسائله العنيفة وغيرها. هناك وجهات نظر مختلفة حتى ضمن العنصر نفسه تتصارع علناً وأحيانا لا تكون إشاراتها قوية حتى تبرز وتؤثر في محيطها لأسباب متعددة. فكيف ستتوافق كل هذه الأفكار المتناقضة والمتضاربة ذات العقائد المختلفة المعلنة والمبطنة من أجل أن تعيش شعوب العالم في سلام ووئام؟  

تطرح الأفكار التي نعيشها في ظل الأزمة السورية وتداعياتها على الدول والمجموعات مثالٌ حي على التناقض الصريح والمعقد في هذه الأفكار الغير قابلة للتغيير ، فكيف نحاول أن نكتشف إن كان بإمكاننا أن نغيرها؟  فهناك عقيدة الدولة الإسلامية وأفكار مؤيديها ووجهة نظر الحكومة السورية ووجهات نظر مؤيديها وآراء الحكومات الغربية وأفكار المهاجرين ومعاناة اللاجئين ووجهات النظر المحايدة. كلها تتشابك في محن مرّكبة للشعب السوري ودول الإقليم والمتأثرين بها من دول العالم. فما هي وجهات النظر المختلفة لهم وأين يلتقون؟
وجهة نظر الجماعات الجهادية
تهدف الجماعات الإسلامية مثل تنظيم الدولة الى اقامة الدولة الإسلامية. وترى انها على منهاج أهل السنة والجماعة. ومن عقيدتها وجوب هدم كل مظاهر الشرك وأن الرافضة طائفة شرك وأن الساحر يجب أن يقتل. وقد اقامت المحاكم وطبقت الحدود على الجميع. وأقامت نظاما اقتصاديا بعيدا عن الربا. كما تؤمن أن العلمانية كفر وأن من يعاون المحتل كافر. كما ترى الدولة الإسلامية أن الجهاد فرض منذ سقوط الأندلس. وأن ديار المسلمين تعتليها شرائع الكفر ويتوجب إزالتها. كما أنها ترى التغلغل الأجنبي في البلاد العربية ودعمه الصريح لرؤساء الدول العربية الأمر الذي قاد الى علمنة الدول واخماد التحركات الإسلامية التي تنشد الكرامة والسيادة واحترام الذات.
مؤيد للثائرين السوريين
أمتنا الإسلامية في خطر من جراء استبداد وقهر وظلم الأنظمة الفاسدة وحكومات دولنا العربية. هذا الطغيان ولّد شعوبا مقهورة تكفر بكل هذه الحكومات ومن والاهم لأنهم يشجعون الحكومات على الإستمرار بالتنكيل بشعوبهم وسلب حرياتهم. إن الدوس على كرامة الشعوب قاد الى قسوة أحكام الثائرين مثل السوريين. لم تترك هذه الدول ولا حلفاؤها أي مجال للإعتدال. الثوار اليوم في كل بقاع العالم وخصوصا في الأراضي العربية ، فهم كامنين وسيُحصد الجميع.
وجهة نظر مؤيدة للحكومة السورية
لدينا سيادة وكرامة في بلدنا يجب أن تحترمها قوانين العالم ودولها التي تتدخل في شؤوننا. الغرب يتطلع الى انتهاك هذه السيادة لإركاعنا والإمتثال بأوامره. عملنا يجب أن يوجه الى شعبنا وليس لمصالح الغرب. تؤكد بلدنا أن الحيادية والمصداقية والشفافية وعدم التسييس يجب أن تكون أرضيات التعامل بين الدول. دولاً عديدة تتدخل تدخلاً سافراً على أراضينا ومقاتلين من دولهم يشتركون في قتالنا ونعاني من انتهاكات سيادة وكرامة دولتنا.
وجهة نظر مؤيدة للحكومات الغربية
داعش جماعة تكفيرية ومجرمون لا يعرفون التفاهم والكلام إنما الأحزمة الناسفة. يقاتلون الجميع ولا هدف سياسي لهم ولا رؤية واضحة سوى السعى وراء إعادة تاريخ مضى عليه أكثر من 1400 سنة. هم يحددون من يستطيع الحياة ومن يستحق الموت. وانتشرت أفكارهم لتضرب خارج حدود سوريا والعراق وانتهكوا أمن الدول وتعدوا على ممتلكاتها وشعوبها. فهي طائفة لا يمكن التفاوض معها لأن عقائدها غير مرنة وأيضا لا يمكن اقناعهم بخطأ أفكارهم لذا فالسبيل الوحيد هو القضاء عليهم.
وجهة نظر لاجئ سوري
نفر من الصراعات والإضطهاد في أوضاع خطرة ونعيش ظروف لا تحتمل ونعبر الحدود بحثا عن الأمان. إن حرماننا من الملاذ الآمن سيعرضنا الى عواقب وخيمة. هناك العديد من القوانين تحمي أوضاعنا مثل اتفاقية 1951 وبروتوكول 1967 التي تحدد عدم طرد اللاجئ. نتطلع الى احترام حقوقنا الإنسانية والعيش بكرامة.
 وجهة نظر مهاجر سوري
أتينا بحثا عن تحسين سبل معيشتنا والحصول على تعليم وعمل أفضل. نتوقع ان يعاملنا بلدنا الجديد بكرامة وسنبذل الغالي والنفيس لتحقيق حلم بلدنا الجديد ونساهم في بناء مجتمعه وننسجم فيه. ولكننا في بلاد المهجر نعاني حتى نحصل على حلاً ماديا يرضينا. بعض المواطنين في بلدنا الجديد لا يثقون بنا ويخافون من المهاجرين وخوفهم نابع من الخوف من المجهول. اذا وضعوا انفسهم مكاننا فهل سيستحملون جوع اطفالهم كل يوم وهل سيستحملون ان تهدد حياتهم بالفقر والمجاعة والأمراض والعنف؟ ألا تتوق الى الحرية والأمل؟ عدم التسامح معنا سيشعرنا بأننا غير مرغوب بهم وإن ضاقت بنا السبل سنعود لنحفظ كرامتنا في أوطاننا التي هجرناها والتي سترحب بنا وتحمينا.
وجهة نظر محايدة
من البديهي أن تكون هناك وجهات نظر مختلفة ومتعارضة حول موضوع الإرهاب حسب ما يسميه البعض والثوار أو المعارضة حسب تسميات أخرى. يجب أن تعرض بشكل موضوعي وعادل ينصف الجميع.الكثير من وسائل الإعلام يعطي ثقلا أكبر لبعض النقاط ويهتم بوجهات نظر معينة حسب موقعه. لا يطرحون الحلول التي توفق بين الأطراف وإنما الإثارة الإعلامية مما تؤثر على قرار المشاهد وتكوين آرائه. لا يجب أن تغيب وجهات النظر الأخرى أو كتمان أخبار وحقائق عن المشاهد بسبب التحيز. يجب أن تحل المسائل بدون صخب إعلامي. يجب أن لا نتدخل في شؤون البلدان الأخرى ونحترم سيادتهم وكرامتهم. الصراع يحتاج الى تعقل. وللتوصل الى الحلول تحتاج الأطراف الى قدر كبير من التسامح والتنازل.
الكرامة نقطة الإلتقاء
عندما نتطلع الى وجهات النظر المختلفة هذه ، يبدو لنا فوراً أنها لا يمكن لها الإلتقاء. وفي اعادة قراءتها مراراً وتكراراً يمكن أن نلاحظ نقطة الإلتقاء في كرامة كل شخص في هذه المجموعات. إن أهم ما يملك المرء هو كرامته وهي تتمثل في كونه جدير بالإحترام والشرف. كل شخص يفتخر بنفسه وعائلته ومجتمعه وشعبه. فإذا ما أظهر كل شخص منا تقديرا لكرامة الآخر فإن عالمنا سيصبح مكاناً أفضل. جميعنا خلقنا متساوون ونستحق أن نعيش بكرامة. فالكرامة متأصلة لا تنتهك ولا يمكن أن تؤخذ منا من قبل أي قوة في العالم.
عندما تموت الكرامة عن طريق إنتهاكها وسلبها تموت أساسيات حقوق الإنسان ولا يعد لقوانين وآليات حقوق الإنسان أي معنى. فقد خلَقَ الله الإنسان بيده ، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته؛ إكرامًا واحترامًا. لقد خلقنا لنتعارف لا أن نَقتل ونُقتل. إن ما يميزنا عن غيرنا هو سلوكنا وفضائلنا وإلتزامنا تجاه الله وأنفسنا ومخلوقاته. هدفنا التعاون على البر والإحسان وليس الصراع والحروب والمصالح الفردية ، والتسامح وبناء المجتمعات وليس الإنتقام والتخاصم، وإعمار الأرض وإقتصادها وليس دمارها ، والعدالة الإنسانية بين الأمم وليس الإقتصار والتحيز لطائفة على أخرى ، وتبادل المعرفة وليس احتكارها. هذه أهداف سامية عميقة يجب أن تكون أهدافنا في هذا الكون ولتحقيقها يمكننا أن نسلك طرقاً عديدة مختلفة توصلنا الى نفس النتيجة لذا لا يجب أن نختلف على طرق تحقيقها

"ولقد كرمنا بني آدم" ، " إن أكرمكم عند الله أتقاكم" ، "فإستبقوا الخيرات."