الثلاثاء، 7 فبراير 2017

إستراتيجية الأمن والدفاع

إستراتيجية الأمن والدفاع
تفرض التحديات الجديدة على الدول أن تستمر في بناء مصادر قوتها وتأثيرها الدولي والمساهمة في بناء نظام عالمي قادر على مواجهة هذه التحديات. ومن هذه التحديات الكثير المعقد لتشابكه وعلاقة كل معضلة بمعاضل أخرى. منها على سبيل المثال ما يتعلق ويؤثر تأثيراً مباشراً مثل صراعات دول الجوار وتأمين المصالح الوطنية المتنازع عليها ومواجهة الأنظمة العالمية التي تحاول إبتزاز الدول. أيضا هناك تحديات أمن المعلومات وما يتاح منها على الإنترنت والأمن الغذائي والمائي ورفع السعة الاستيعابية للرأسمال البشري وتأمين المصادر الطبيعية للدولة. كما أن هناك تحديات إلتزمت بها الدول عالميا للحفاظ على السلام العالمي وتحقيق العدالة الإجتماعية ومنع انتشار الاسلحة النووية ومحاربة التطرف والإرهاب والحد من انتشار ثاني اكسيد الكربون. وأخيرا واجبات الدولة الاقتصادية والتعامل مع عدم استقرار الاقتصاد العالمي والازمات المالية.
مواجهة أي دولة لهذه التحديات ليس بالأمر اليسير. ولكي تنجح يتطلب أن تبني إستراتيجية أمنية ودفاعية واضحة وتربط مواردها ومصادر قوتها في حلقات متكاملة وتعزز قوتها العسكرية. ومن بين هذه الموارد يعتبر المصدر البشري للدولة أقوى الروافد التي تستطيع الدولة تطويرها وتوظيفها لتحقيق استراتيجيتها الأمنية.
ولكي تنفذ الدولة ذلك بطريقة مثالية فإن أول خطوة هي فحص مفصلي للأمن الوطني الرئيسي ومنها وثائق الشؤون الدفاعية والأجنبية لمعرفة غاياتها وتبعاتها. ثم التعرف على القصور السياسي والإقتصادي للدفاع. بعدها نستطيع أن نحدد مهام الدفاع ومستوى الطموح المطلوب لنضع مهمة الدفاع وأولوياته. وفي بحثنا للتعرف على النماذج والأطر التي إستخدمتها الدول المتقدمة نجد مفاهيم متداخلة مثل استراتيجية الأمن الوطني وإستراتيجية الدفاع الوطنية والإستراتيجية العسكرية الوطنية ومفهوم العمليات المشتركة. كذلك تطلق بعض الدول عليها "الرؤية الأمنية والدفاعية" أو تضع خطط طويلة ومتوسطة وقصيرة المدى. بعض الدول يستخدم أساليب تقييم يراها مناسبة مثل احدى الأساليب التالية أو أكثر: تقييم من أعلى لأسفل أو تقييم مفهوم المصادر النادرة او بالمفهوم التاريخي او تقييم القدرات الدفاعية أو التقييم بوضع السيناريوهات أو تقييم التهديد أو التقييم بمفهوم أفضل التقنيات الممكن إنتاجها أو تقييم يستند على تجنب المجازفات وأخير التخطيط التصاعدي. أما حجم القوة فيمكن تطويره بطرق متعددة. من هذه الطرق تبدأ الدولة بتحليل البيئة ثم تحدد السياسة وبعدها تطور السيناريوهات المحتملة ثم تقترح تقدير لحجم القوة والجدوى الإقتصادية وتتبعها بتنظيم القوة وتكلفة هذا التنظيم ومجازفاته وجدواه وأخيراً تنظم القوة.
في هذا البحث سنتطرق الى تسلسل الإستراتيجية تاريخيا وسنبدأ بعرض الثورة التي حدثت في مفاهيم الإستراتيجية العسكرية وإبداعات القادة خلال الحروب، بعدها سنعرض نظريات علم النفس والإجتماع في أسباب الحرب لنحدد الكيفية التي يوظف فيها المفكر الإستراتيجي أو القائد العسكري أو السياسي أفضل الخطط لمعالجة المواقف التي ستواجهه مستقبلاً من أجل تحقيق مصالح دولته. بعدها سنقدم تعاريف للإستراتيجية ونختتم بكيفية استخدام هذه الاستراتيجية لخدمة الدولة.  

ثورة مفاهيم في الاستراتيجية العسكرية وإبداعات القادة
إبداعات القادة في تطوير الإستراتيجية
تتكون الاستراتيجية العسكرية عند المسلمين من عدة مفاهيم وأساليب وأفكار وردت في نصوص الآيات القرآنية. فلا ينظر القرآن الكريم الى الحرب بمنظور المصالح الوطنية إنما بمفهوم العدالة والإيمان والسلام العالمي. فالعلاقات بين الدول يجب أن يعمها السلام ولا تشن الحرب إلا لإرساء العدالة والقانون والحفاظ على المجتمع الإنساني. أما في إستراتيجية الحرب فينظر إليها بكسر إرادة العدو في شن العدوان كما جاء بالقرآن الكريم: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ"[1] وكذلك : "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها."[2] أيضاً قوله تعالى: "ادخلوا في السلم كافة."[3]
ركزت استراتيجية جنكيز خان على خفة وسرعة الحركة والحرب النفسية في إرهاب الخصم. كان لكل مقاتل في جيشه خمسة خيول بين حصان وفرس. ينتقل عن طريقها بسرعة ويتغذى منها ومن لبنها فهي تمثل امدادا لوجستياً مستداماً سريع الحركة.[4] هذه السرعة لم يتغلب عليها احد الا في القرن العشرين.
أما نابليون بونابرت فركز على توظيف المواطنين الفرنسيين ووضع تنظيم يخطط لأمن الدولة وأوجد نظام الخدمة العسكرية لحشد مقاتلين لا ينقطع ووظف مواطنين لصناعات الاسلحة والذخائر والثياب والخيام والمستشفيات وجمع الشيوخ والعجائز للتجمع من أجل تشجيع المقاتلين ورفع المعنويات. أما استراتيجياته في الميدان فلم يكن هو من اكتشفها ولكن طبق ووظف مبادئ القتال التي درسها بإبداع. فركزت أساسا على خفة الحركة وقهر خصمه في معركة واحدة. فيدخل وسط مركز قوات العدو يضعفها أو يثبتها ويأتي الإحتياط ليجهز في كل مرة على مراكز قوة العدو في جوانبه وأجنحته. أما أسلوبه الثاني فهو قطع قوات خصمه من الامدادات والاتصالات وعندها يسهل التعامل معه وتدميره نهائيا كما فعل مع بروسيا. لم يكن اسلوبه وحشي فقط فقد كان يخطط لكل التفاصيل واستطاع ان يجند جيوشا كبيرة وفي نفس الوقت اكساب هذه الجيوش قادة على نفس المستوى من التنظيم والفكر العسكري النابليوني. فقد كانت تنظم في فرق مستقلة قادرة على استخدام مرونة الحركة لمناورة الخصم والهجوم على عدة أهداف في نفس الوقت وكما يقول نابليون: هناك الكثير من جنرالات أوروبا الجيدين ولكنهم يرون أشياء كثيرة في نفس الوقت. أما أنا فأرى هدفاً واحداً وهو الجسم الرئيسي للخصم فأحاول أن أحطمه والبقية تحل نفسها." لم تكن هذه الاستراتيجيات وحدها التي تميز بها فلقد استخدم الخداع في فصل النمساويين عن الجيش الروسي.
أثّر نابليون على كلاوزفيتز البروسي الأصل الذي أصدر كتابه "حول الحرب" والذي يعتبر أساس للدراسات في كليات القيادة والأركان العسكرية الحديثة. ونظراً لخلفيته في علوم الفلسفة فهو مؤمن بأن السياسة لا تنفصل عن العسكرية. ويجزم بأن الحرب ليست فقط عمل سياسي ولكن أداة سياسية تنفذ بطريقة عسكرية.[5]  وعليه يؤكد أن حجم القوة يجب أن يتلاءم مع الأهداف والطموح السياسي لتأمينها. وهذه خلاصة مهمة في دراسات حجم وتنظيم القوة.
على عكس مفاهيم كلاوزفيتز ، فإن أنطوان هنري جوميني السويسري الفرنسي ، الذي حارب في صفوف نابليون ، ضد فكرة إبادة جيش العدو ومع فكرة إحتلال الأرض والبقاء على قوة العدو العسكرية. فهو يعتقد أن الحرب ليست علم وإنما فن. ويركز على العمليات العسكرية وضد تدخل السياسيين في سير المعارك. ويعتقد أن القوة المقاتلة يجب أن تكون صغيرة لتقليل الخسائر.[6] أيضا ، تدّرس نظرياته في كليات القيادة والأركان.
إستمر تطور الاستراتيجية العسكرية خلال العصر الصناعي ليصبح علماً وفناً. فظهر مصطلح الحرب الشاملة للموارد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والذي ركز على استراتيجية الأرض المحروقة وتدمير البنية التحتية. ومع التقدم الصناعي واستخدام التقنية الحديثة في القتال والتدريب الجيد أصبحت الخدمة العسكرية الإلزامية موضوع جدال ويتوقع لها أن تختفي في المستقبل. ومع اختراع المحرك البخاري أصبح التنقل على السكك الحديدية أسرع وسهل من خفة الحركة والمرونة وبالمقابل أصبح من ضمن تكتيكات الخصم تعطيل خطوط السكك الحديدية. كما استخدمت البوارج الحربية محركات بخارية للتنقل على الماء أو القتال البحري. ومع اختراع التلغراف أصبح الإتصال أسرع بين الخطوط وقياداتها الخلفية. استغل مولتكه الجنرال البروسي السكك الحديدية والطرق للمناورة كما استغل التلغراف لقيادة الجيوش الكبيرة. وغير الاوامر الى توجيهات لمرؤوسيه من القيادات. لقد كان مولتكة مقتنعاً بأن الخطط مهما كانت جيدة التحضير فإنها لن تكون مضمونة بعد أول مواجهة مع الخصم.[7] 
ومع بداية الحرب العالمية الأولى دخل مفهوم الاستراتيجية الدفاعية بعد صناعة الأسلحة الرشاشة وأصبح من الصعب القيام بالمناورات الاستراتيجية فإعتمدت الجيوش حروب الاستنزاف. كان المهاجم يحتاج الى عشرة مقاتلين لكل مدافع ليتمكن من إختراق عمق الدفاع في عدم وجود المدفعية. كما ظهرت حرب العصابات التي إستخدمها العرب ضد العثمانيين. إعتماد البريطانيون على القوة البحرية لم يكن كافياً فقاموا بتطوير القوة البرية لأعداد لم يسبقها مثيل وإزدهرت الصناعة العسكرية وجودة ذخائرها. فتم تصنيع الدبابة البدائية والعربات المدولبة والمجنزرة والغازات الكيماوية والهاتف. استخدم البريطانيون استراتيجية الحصار البحري واستخدم الألمان حرب الغواصات. وعندما إتحدت الدول لتحارب أعدائها ظهرت مشكلة القيادة الموحدة.
خلال الحرب العالمية الأولى لم تكن الدبابة سيدة الموقف رغم التنبؤ بأنها ستكون الحاسمة في الحروب لأن صناعتها كانت فاشلة فقد كانت ثقيلة وبطيئة الحركة تعرض الجنود للخطر ولم يكن من بداخلها احسن حال فالدخان خانق وقيادتها متعبة. ولكن بعد الحرب العالمية الأولى بدأت الإستراتيجيات العسكرية تفكر في تطوير وتوظيف الطائرة والدبابة بطريقة أفضل. يقول الجنرال الإيطالي جوليو دوهيت صاحب "نظرية القوة الجوية" أن حروب المستقبل ستكسب من الجو وستكون طبيعتها هجومية وستبقى القوات الأرضية في وضع دفاعي.[8] ويحدد أن تهاجم القوات الجوية في عمق أراضيه ومنشآته الصناعية ووسائل إتصالاته. وبدأ التفكير في حاملات الطائرات. في تلك المرحلة كانت الولايات المتحدة وبريطانيا ترى إستخدام حاملات الطائرات في استراتيجياتها الدفاعية بينما كانت اليابان تطور حاملات طائراتها لأغراض هجومية. وتطورت الدبابة البريطانية في عهد اللواء جون فريدريك فولرالبريطاني التي أثبتت قوة نيرانها وسرعة حركتها وحمايتها الذاتية.
إرتكبت ألمانيا أخطاءاً سياسية قادتها للحرب العالمية الثانية. لقد كانت آمالها ان تكتسح فرنسا وروسيا ولم تتوقع ان تتحالف بريطانيا مع فرنسا عدوتها اللدود. ثم توقعت ان تفاوض بريطانيا ولكن تشرشل لم يستسلم. لم تكن ألمانيا على مستوى القوة البحرية البريطانية ولم تجهز قواتها لحروب عبر البحار. حاولت ألمانيا عندها ان تخنق الإقتصاد البريطاني في معركة الأطلنطي التي استمرت من 1939 وحتى هزيمة ألمانيا. وفي خطأ أخير حاولت غزو روسيا عام 1941م في حرب توقعت ان تنتصر فيها بسرعة ولم تستطع وتحولت الاستراتيجية الألمانية الى استراتيجية دفاعية بعد أن تكتلت القوات الأمريكية في أفريقيا وبريطانيا.
شهدت الحرب العالمية الثانية عدة إستراتيجيات عسكرية منها:
1.     الحرب الخاطفة التي استخدمتها ألمانيا للتوغل في أراضي العدو والقضاء عليه.
2.     حملة القصف الجوي الاستراتيجية على ألمانيا.
3.     كذلك محاولة بريطانيا قتال الأطراف الأضعف مثل إيطاليا واليونان والبلقان لإيقاف الدعم عن ألمانيا.
4.     غزو القوات الأمريكية وحلفاؤها نورماندي البرمائي المسنود جوياً لمواجهة ألمانيا مباشرة. استخدم القفز بالمظلات خلف خطوط العدو وحرب الغواصات والسفن والانزال البرمائي للقوات البرية والمدفعية المتنقلة.
5.     عملية باربروسا المباغتة التى غزت فيها المانيا روسيا في اكبر جبهة في تاريخ الحروب بلغت 2900 كم. تكبد الروس أكثر من 3 ملايين قتيل بسبب الحرب وسوء المعاملة الألمانية وبسبب فشلهم التكتيكي الذي ضخم قوتهم ومعداتهم خصوصا الدبابات الرديئة وافتقار جنودهم الى التدريب الجيد. نجاح روسيا في عملية بارباروسا لاحقاً كان بفضل مصدر مقاتلين لا ينضب تم تقديره بعشرة ملايين مجند وبفضل سوء الأحوال الجوية التي تسببت في تقطع الامدادات.
6.     نقل روسيا مصانعها الحربية الى منطقة الأورال بعيداً عن متناول الألمان
7.     حاولت اليابان ان تحطم الاسطول الامريكي في بيرل هاربر حتى لا يتمكن من حماية نفط جنوب شرق آسيا والذي تطمح في تأمينه لإقتصادها. كان الخطأ سياسي وعسكري لآنه عجل بدخول الولايات المتحدة الحرب.
8.     استخدمت القوات الامريكية "قفزات الضفدع" تتنقل بين الجزر تقطع الامدادات وتتحصن في الجزر ضعيفة الحماية. حتى تم القضاء على تحصينات اليابانيين في الجزر
بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت إستراتيجية الإحتواء في الحرب الباردة قادتها الولايات المتحدة للحد من إنتشار الشيوعية في شرق أوروبا والصين وكوريا وافريقيا وفيتنام وتشكلت منظمة حلف شمال الاطلسي "حلف الناتو". في هذه الفترة سادت مفاهيم الردع بالتهديد في استخدام السلاح النووي. كانت الحروب بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي غير مباشرة وتتم في مختلف أنحاء العالم بالوكالة في صراعات محلية بين دول أو جماعات من نفس الدولة. تم التركيز في هذه الفترة مفهوم التجسس الصناعي وتقييم المعلومات الإستخباراتية. ركزت الولايات المتحدة على إضعاف السوفييت إقتصاديا للتغلب عليهم. بعد الحرب الباردة ، إعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية على التكنولوجيا المتقدمة للحد من الاصابات وزيادة الكفاءة القتالية ومنذ بداية التسعينات من القرن الماضي قلت الخسائر الناجمة عن الحروب بشكل كبير. وظهر مفهوم الحروب غير التقليدية ومنها حرب العصابات التي تشنه "القاعدة". ثم مسرح العمليات العسكري الذي ربط المعلومات البرية والبحرية والجوية والاستخباراتية الخاصة بقوات الدولة وحلفاؤها وكذلك المعلومات الخاصة بقوات أعدائها لتصب في مراكز القيادة.
نظريات علم النفس والإجتماع في أسباب الحرب
يقول جوميني أن الحكومة تعلن الحرب لإسترداد حقوقها أو الدفاع عنها والحفاظ على مصالح الدولة مثل التجارة والصناعة والزراعة : وتساند الدول المجاورة بغرض توازن القوى والوفاء بإلتزاماتها وتعهداتها الهجومية والدفاعية لحلفائها، وتنشر النظريات الدينية والسياسية، او تسحقها او تدافع عنها، وتوسع تأثيرها بالاستيلاء على الأراضي او تنتقم لإنتهاك شرف.[9] ولكن هناك أيضا حروب قادها ضباط لتحقيق أهدافهم الشخصية.
قسم جوميني الحرب الى عدة انواع وكل صنف يتطلب طريقة مختلفة للقيام به:
1.     الحرب الهجومية: غزو بلد آخر لإسترداد الحقوق وهي حرب عادلة
2.     حروب سياسيا دفاعية ولكن هجومية بالنظرة العسكرية مثل الحروب الاستباقية وهي الحرب التي يتوقع من العدو الهجوم فيقوم الجيش بهجوم إستباقي.
3.     الحروب النفعية للإستيلاء على شيء من العدو
4.     حروب مع او بدون الحلفاء
5.     حروب التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الجارة
6.     الحروب العنيفة مثل حروب جنكيز خان
7.     حروب أيديولوجية مثل الشيوعية والنازية
8.     حروب وطنية مثل مقاومة الاستعمار
9.     حروب أهلية وحروب دينية
يبدو أن الحرب جزء من النزعة البشرية. هذه الفرضية ناقشها العلماء النفسيين والباحثين كثيراً وبعضهم توصل الى خلاصات بأنها وراثية وآخرين زعموا بأنها إرتجالية نتيجة لردة فعل. سنعرض بعضاً من نظريات أسباب الحرب من أجل توضيحها ومساعدة المحلل الإستراتيجي في توسعة الأفق من هذا الجانب.

نظرية الذكر المحارب: في كتابه "الذكور الشياطين: القرود وبدء العنف البشري" ، وضح ديل بيترسون وريتشارد رانغهام أن الذكور أعنف من الإناث في سعيهم للحصول على المرأة والمصادر الأخرى. وأن الرجل بطبيعته قادر على إنشاء التحالفات مع مجموعته للصراع ضد مجموعات أخرى ولديه فطرة عدوانية تجاه من يعتبرهم دخلاء. وعند نجاح هذه الصراعات فإنها تتأصل جينياً وتتوارث. فالنزعة الفطرية العنيفة لدى الرجل تساعده أن يكون أكثر وجاهة عند التغلب على خصمه وهي نفس النزعة لدى القرود.[10]
نظرية الحرب المفترسة: أتت بارباره إهرانريخ بنظرية مختلفة لأسباب الحرب لأنها تقول أن فرضية الذكر المحارب غير مكتملة. فهي تعتقد أننا كبشر تطورنا منذ العصور القديمة في حماية أنفسنا من الفرائس الأكثر مهارة وصرنا نعرف كيف نختبئ عنها ولكن بعد أن إستطعنا الحصول على أسلحتنا تمكنا من قتالها واصطيادها وبدأت لدينا مناسك الصيد والتي تطورت الى شعارات لقتال نفس الفصيلة البشرية. وهذا هو السبب الذي يجعل الحرب غير طبيعية للكثير منا وتتطلب التدريب على القتال حتى نستطيع تغيير سلوكنا لمحاربة أعدائنا. [11]
نظرية الصقور والحمام: يوضح كاهنيمان ورينشون أن الصقور تميل الى التدابير العنيفة لحل صراعاتها بينما تركن الحمام للحلول السلمية وغالبا ما تفوز الصقور. وقد أظهرت الأبحاث النفسية أن أغلب الناس يعتقدون أنهم أكثر ذكاء، وأكثر جاذبية، وأكثر موهبة من المتوسط، وهم عادة يبالغون بنجاحهم في المستقبل ويعتقدون ان لديهم القوة الكافية للسيطرة والحصول على أهدافهم. ويفسر ذلك أننا نتوجه للحرب لأننا نعتقد خاظئون أن بإمكاننا كسب المعركة وتحقيق النصر لأننا الأفضل. وهذا إفراط بالثقة بالنفس وسلوك أكثر خطورة.[12] هذه النظرية شبيهة بنظرية روبيكون التي تفيد بأن المجموعة عندما تتعرض للخطر فإنها تعبر حاجز الخوف والذي يقودها الى قرارات غير عقلانية ومجازفات كبيرة.
نظرية التضخم السكاني المالثوسياني: وفقاً لنظرية السكان الخاصة بثوماس مالثيوس فإن الحروب متوقعة عندما تزيد أعداد السكان مقارنة بالمصادر التي أصبحت شحيحة نسبيا والتي لا تتوفر لها. وعندها تنشأ الخلافات والحروب على هذه المصادر أو تتسبب المجاعة والأمراض بإنقاص المعدل السكاني حتى يتوازن هذا المعدل مع المعدل الغذائي.[13]
نظرية تضخم الشباب: تزعم النظرية أن الحروب والعنف نتيجة للتضخم في نسبة الشباب السكاني العاطلين عن العمل ، فهؤلاء سيستدرجون للحرب ويقتلون وتنقص معدلاتهم.[14]
نظرية تفكير المجموعة: في بعض الأزمات تسيطر أفكاراً محددة على المجموعة تسوقهم لتنفيذها رغم كفاءتهم واتزانهم وقدراتهم العقلية بسبب الضغط على المجموعة للموافقة على اجراءات ربما قادتهم الى التهلكة. ويفسر العلماء بأننا عندما نشعر بالتهديد ننقسم الى فئتين الاولى معنا والثانية ضدنا وهو ما حدث في العراق. [15]
نظرية نموذج المساومة: يقول بعض علماء الإجتماع أن الحرب ربما لا تكون نزعة فطرية أو تفاعلية بقدر ما تكون تفاوض متطرف بين فريقين متنازعين ومناورة لتحقيق أهداف سياسية مثل تخصيص الموارد أو العدالة الإجتماعية. يقول دان رايتر أن نموذج المساومة لا يرى الحرب أنها إنهيار للدبلوماسية ولكن مساومة مستمرة كما تكون عليه المفاوضات خلال الحروب وايقافها بعد التوصل الى إتفاق. وهذا النموذج مفيد للعلاقات الدولية لأنه يقترح أن كل حرب عبارة عن عملية تفاوض تؤدي إلى حلول للأطراف المتنازعة.[16]
نظرية إدارة الإرهاب: يخاف البشر من الموت ولكن وجودهم ضمن حضارة أو مجموعة أو قبيلة يضمن لهم إستمرار فصيلتهم وثقافاتهم ويخفف من هذا الخوف. تطرح نظرية ادارة الإرهاب مفهوم أن الهجوم على قوم ما يسبب لهم الخوف من الموت وإندثار معتقداتهم وطقوسهم ، لذلك سيدافع هؤلاء عن أنفسهم وسيتغلبون على حاجز الخوف النفسي.[17]
نظرية النزعة العدوانية: توضح النظرية أن العدوانية غريزة تساعد البشر والحيوانات على البقاء. في الحيوان غريزة تمنعه من قتل حيوان من نفس النوع بعدما يخضع وينهزم الطرف الأضعف. ولكن لدى البشر التدريب والأسلحة والحماس والطائفية كلها تقود في النهاية إلى الحرب. تقترح النظرية أن النزعة العدوانية صفة بشرية بسبب الأدوات المتقدمة التي لديها وتنظيمها الإجتماعي.[18]
نظرية "الحرب نتعلمها أو نفقد تعاليمها" :  اقترحت عالمة الإنسان مارغريت ميد هذه النظرية في بدايات القرن العشرين. تشير هذه النظرية أن الحرب ليست تبعات حتمية لطبيعتنا التنافسية والعدوانية. ولكنه إختراع إجتماعي يمكننا تعلم أن ننساه. وهذه النظرية تترابط مع نظرية النزعة العدوانية والتي تزعم أن المنظومة الإجتماعية هي التي تقود الى الحرب. تناقض هذه النظرية مفاهيم المالثوسية التي تزعم أن الحرب لا مفر منها عندما يتكاثر عدد السكان. وعليه فإننا نستطيع تعلم السلام أيضاً.[19]
 تقودنا هذه النظريات إلى أن المفكر الإستراتيجي أو القائد أو السياسي بإمكانه أن يوظف أفضل الخطط لمعالجة المواقف التي ستواجهه مستقبلاً من أجل تحقيق مصالح دولته. كما أنها تشرح أن أسباب الحرب كثيرة منها محاولة البقاء والإزدهار وحماية العرق وحماية الموارد والعدالة الإجتماعية وغيرها. ومن الوهم الاعتقاد ان الشخص يمكن أن يحدد نتيجة الحرب مسبقا لأن أول إشتباك سيقلب الحالة الى حالة جديدة.
مستويات الإستراتيجية
الأمن هو السبيل إلى الإستقرار من أجل إتاحة تطور وإزدهار المجتمعات الحرة. ولا يعتبر ذلك هدف إنما رؤية يتحتم على الدولة أن تسعى لتحقيقها ضمن أولى أولويات إستراتيجيتها الوطنية. وقد عرّف الأدميرال إكليس الإستراتيجية الوطنية بأنها "التوجيهات الشاملة لجميع عناصر القوة الوطنية لتحقيق أهدافها الوطنية."[20] أما إدارة الدفاع الأمريكية ففصلت عناصر القوة في تعريفها للإستراتيجية الوطنية كالتالي: "فن وعلم تطوير وإستخدام القوى السياسية والإقتصادية والنفسية مع قواتها المسلحة في السلم والحرب لضمان أهدافها الوطنية."[21] إذاً يتحتم على الاستراتيجية الوطنية أن تستخدم جميع عناصر القوة في الدولة.
وبعد هذه المقدمة التي وضحت تطور مفاهيم الاستراتيجية العسكرية وإبداعات القادة في تطويرها وشرح نظريات علم النفس والإجتماع في أسباب الحرب وثم التعرف على أن هناك مستويات متعددة للإستراتيجية نعود الى تعريف الإستراتيجية بغرض الوصول إلى إطار يحدد لنا المستويات المطلوبة من الإستراتيجية والتي تتأثر وتؤثر بالإستراتيجية العسكرية.


تعاريف الاستراتيجية هرمياً
الاستراتيجية العسكرية عبارة عن مفاهيم وأفكار تطبقها التنظيمات العسكرية لتحقيق أهداف إستراتيجية.[22]  وكلمة إستراتيجية مشتقة من اليونانية "إستراتيجوس" وتعني القائد العسكري أو "إستراتيجيا" أي مكتب الجنرال ، أو كما يسميها ماتلوف "فن الجنرالات"[23] و كما يطلق عليها ويلدون "فن ترتيب القوات."[24] أما تعريف كلاوزفيتز فهو "توظيف المعارك لكسب النهاية للحرب."وفي المفهوم الصيني يختلف أب الاستراتيجية العسكرية الشرقية سن تسو عن المفهوم الغربي ليركز على الحروب الغير نظامية وخداع العدو[25].
في القرن السادس وتحديداً في عهد الإمبراطور البيزنطي جستينيان ظهر الفرق بين معنى الإستراتيجية والتكتيك. فالإستراتيجية هي الطرق التي يدافع بها الجنرال عن الأرض ويهزم العدو. والتكتيك جزء أدنى في هرم الإستراتيجية وهو العلم الذي يرتب القوات ويحرك الجيوش بشكل منظم.[26] قبل الثورة الفرنسية (1789-1799) لم يكتب الكثير عن الاستراتيجية والتكتيك وإنما عن "التعليمات العسكرية" لبايسيغور أو فن الحرب لماكيافيلي ولكن ربما كان جوبرت الاول في الكتابة عن المستويات العليا والدنيا للحرب في كتابه "مقالات عامة عن التكتيكات."
ارشدوك تشارلز قائد هابسبرغ وهي الامبراطورية النمساوية والذي واجه تابليون بونابرت عرف الاستراتيجية عام 1806م على انها علم الحرب: تصميم الخطط ثم رسم وتطوير العمليات العسكرية وهي خاصة بالقائد الأعلى. أما التكتيكات فهي فن الحرب وهي مهارات كل قائد يقود عساكر تحت إمرته ويعرف كيفية تنفيذ الخطط الإستراتيجية.[27] وعرف بوفر ان الاستراتيجية هي فن الجدال بين ارادتين متضادتين تستخدمان القوة لفض النزاع.[28]
عارض كارل فون كلاوزويتز ان تكون الحرب علم أو فن وقال بأننا "يمكن أن نشبهها بالتجارة. فهي أيضا صراع مصالح بين البشر وهي أقرب إلى السياسة. فالحرب إذا يمكن إعتبارها تجارة بحجم كبير. وعلاوة عليه فإن السياسة هي رحم ولادة الحرب"[29] ، وعرّف كلاوزويتز الحرب على أنها "إستخدام القوة بطريقة ينصاع عدونا لإرادتنا."
وحدد تعريف لويس إدوارد الاستراتيجية بأنها فن تحديد النقاط الحاسمة لمسرح الحرب والخطوط العامة والطرق التي يجب ان تسلكها الجيوش لتصل.[30] كما قاد تعريف مولتكه إلى تحديد أدق لأنه رأى أن جوهر الإستراتيجية هو في التحضير لإيصال القوات الى المعركة في نفس الوقت.[31] بينما رأى برودي ان الاستراتيجية هي الدليل الذي يوضح كيف نقوم بالعمل وبكفاءة. فنظرية الاستراتيجية هي نظرية تنفيذ العمل.[32]
في مناقشته للعمليات البحرية عام 1894 شرح هنري سبنسر ويلكنسون المؤرخ العسكري البريطاني علاقة السياسة بالاستراتيجية. فالسياسة عمل وطني موجه لغاية. ويجب أن تكون الأهداف المرجوة من هذه الغاية لها قيمة وطنية يقدرها الشعب وإلا لن يقّدم الشعب الدعم اللازم والجهود لتحقيقها. ويجب أن تكون الوسائل مناسبة للغايات.[33] وهذا الإتجاه نراه واضحا في تعريف ليدل هارت بأن "الاستراتيجية هي فن توزيع وتطبيق الوسائل العسكرية لتحقيق الغايات السياسية.[34] وربما كان تعريف ليدل هارت فضفاضا لأننا يمكن أن نطبق هذا التعريف على السياسة الخارجية أيضاً.
وقد قاد التطور الهائل في المعرفة العسكرية الى تعاريف بدأت تتبلور حول الشمولية فقال الجنرال أندريه بوفر ان الحرب شاملة لمجالات وأعمال سياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية وغيرها.[35]
ومع ادخال مفهوم الاستراتيجية العظيمة في الحرب العالمية الثانية ظهرت تنوعات في التعريف. فرئاسة الاركان الامريكية المشتركة عرفت الاستراتيجية عام 1964 على أنها تطوير واستخدام القوة السياسية والاقتصادية والمعنوية والعسكرية كما تتطلبها الحاجة خلال السلم او الحرب من اجل رفع احتمالات تحقيق النصر وخفض فرص الهزيمة.[36]
وعرف العالم السياسي البريطاني روبرت نيلد عام 1990 الاستراتيجية بمفهوم أوسع على أنها السعي خلف اهداف سياسية بإستخدام الوسائل العسكرية. وعند رسم الاستراتيجية فإن أول خطوة هي اخذ قرار حول الهدف السياسي. بدون هدف سياسي فإن الحرب تدمير بدون عقل وامتلاك قوة عسكرية وقت السلم هدر غير عقلاني. ولكن عند تحديد الهدف السياسي يجب إختيار الاحتياجات والوسائل العسكرية المطلوبة وتصميمها لتلائم هذه الاهداف.[37] ويؤكد واغنر ما أضافه روبرت نيلد فيقول أنه لا يوجد قائد عسكري ناجح ما لم يعرف طبيعة الحروب ولماذا بدأت الحرب وما هي الطرق اللازمة لتطبيقها ليس للنصر انما لتحقيق الأهداف التي من أجلها رفع السلاح؟[38] وفي كتابه "دليل الضباط" يتوص جادل  روهل ليننستيرن الى نفس النتيجة بأن كل حرب لها سبب وغاية والتي ستحدد اتجاه كل نشاط. كل نشاط عملياتي له غاية. الحرب ككل لها هدف سياسي.[39]
يقول روديارد كيبلنغ "أحتفظ بستة رجال يخدموني وتعلمت منهم كل ما عرفت. وأسماؤهم ماذا ولماذا ومتى وكيف وأين ومن.[40] فالغاية يمكن تحديدها بالأسئلة ماذا و لماذا. والطريقة يمكن تحديدها بالأسئلة كيف ومتى وأين. أما الوسيلة فيمكن تحديدها بالسؤال من.
تطور تعريف الإستراتيجية حتى وصل لورنس فريدمان لخلاصة أنها تختص بالعلاقة بين الغايات السياسية والوسائل العسكرية والاقتصادية والسياسية. وهي فن تكوين القوة.[41] كما أنها فن التحكم واستغلال المصادر الوطنية. وأضاف إدوارد إيرل أن الاستراتيجية العظمى هي في قمة الهرم والتي تربط السياسة الوطنية وتسليحها.[42]
وتعتبر الاستراتيجية اليوم عن فرع من إدارة الأعمال. وهو ما يعرفها جونسون وزملاؤه بأنها التوجه والنطاق المتاح للمنظومة على المدى الطويل التي تحقق مزايا من تغيير بيئة العمل عن طريق ترتيب وتشكيل الموارد والمنافسة لتحقيق أهداف أصحاب المصلحة.[43]
إن التغييرات السريعة الاقتصادية والسياسية والديموغرافية والاجتماعية والتكنولوجية والعلمية فرضت تحديات لا مثيل لها وقادت الى هذا التطور في المفهوم الإستراتيجي والذي يمكننا الآن أن نرى بوضوح أن الإستراتيجية علم فضفاض يمكن تطبيقه في مستويات متعددة ولكن لغاية هذه الدراسة نكتفي بهذه التعريفات التي أوصلتنا إلى تحقيق غايتنا وهي تكوين مفهوم للإستراتيجية العسكرية. الاستراتيجية تعلمنا كيف نشن الحرب. او كيف نحقق الأهداف السياسية باستخدام الوسيلة العسكرية. وربما لم تكن الاستراتيجية عسكرية فربما كانت الاستراتيجية العظيمة التي لا تستخدم فقط القوة العسكرية انما مصادر القوة الشاملة في الدولة ككل. فهي الوصلة بين الفعل والتأثير وبين الوسيلة والأهداف. فهي فكرة. وهي خطة عمل لتحقيق غاية ما. ولا يمكن أن نشرع بوضع إستراتيجية عسكرية دون وجود الاستراتيجية الأمنية القومية أو الوطنية. كما لا يمكننا رسم إستراتيجية أمنية في غياب إستراتيجية وطنية.
إذا ، بادئ ذي بدء ، علينا تطوير خطط واستراتيجيات وطنية محددة لتحقيق أهداف وطنية والموافقة عليها. ومواضيع الاستراتيجية الوطنية متوسعة تشمل الزراعة والقوات المسلحة والتجارة والاقتصاد ومنع الجريمة والبيئة والتعليم والطاقة والمالية والعمليات الحكومية والصحة والاسكان والمعلومات والعلاقات الدولية والعدل والرعاية الاجتماعية والمواصلات. أما الإستراتيجية الأمنية الوطنية فهي إستراتيجيات وخطط تطبق مجموعة من عناصر القوة الوطنية خلال السلم أو الحرب مثل القوة الدبلوماسية والإقتصادية والمعنوية والتقنية وذلك لتحقيق أهداف الأمن القومي ومنها السلام والأمن والإستقرار والإزدهار والبقاء والدفاع عن الوطن. وعندها يمكن تطوير الإستراتيجية العسكرية التي تعني بتطوير استراتيجيات توظف القوات المسلحة لتحقيق الأهداف العسكرية الوطنية والتي يشترك بها المنظرون وأصحاب القرار.


المراجع


[1]      سورة الأنفال الآية 60

[2]      سورة الأنفال الآية 61

[3]      سورة البقرة الآية 208

[4]     May, Timothy. The Mongol Art of War: Chinggis Khan and the Mongol Military System. Barnsley, UK: Pen & Sword, 2007.  pp. 115.

[5]      On War, Book I, Chapter 1, 24., Carl von Clausewitz, translated by J.J. Graham, p. 18.

[6]      Mertsalov, A.N. "Jomini versus Clausewitz", pages 11–19 from Russia War, Peace and Diplomacy edited by Mark and Ljubica Erickson, London: Weidenfeld & Nicolson, 2004, page 13.

[7]      Originally in Moltke, Helmuth, Graf von, Militarische Werke. vol. 2, part 2., pp. 33-40. Found in Hughes, Daniel J. (ed.) Moltke on the Art of War: selected writings. (1993). Presidio Press: New York, New York.ISBN 0-89141-575-0. p. 45-47.

[8]      Douhet, Giulio. The Command of the Air (Editors' Introduction), Coward McCann (1942), Office of Air Force History 1983 reprint, 1993 new imprint by Air Force History and Museums Program. Washington D.C., 1998

[9]          Jomini, Antoine Henry Baron 1837: The Art of War. Philadelphia: J.B. Lippincott. P. 14

[10]      Dale Peterson , Richard Wrangham. Demonic Males: Apes and the Origins of Human Violence. New York, Houghton Mifflin Company. 1996.

[11]      Barbara Ehrenreich. Blood Rites: Origins and History of the Passions of War. New York, Henry Holt and Company Publishers. 1997.

[12]      Daniel Kahneman , Jonathan Renshon. Why Hawks Win. Foreign Policy. December 27, 2006

[13]      Steven Le Blanc, Katherine E. Register. Constant Battles: Why We Fight. New York, St. Martin's Press. 2003.

[14]     Lionel Beehner. The Effects of ‘Youth Bulge’ on Civil Conflicts. Council on Foreign Relations. April 27, 2007

[15]      Irving, Janis. Groupthink: Psychological Studies of Policy Decisions and Fiascoes. Boston, Wadsworth Cengage Learning. 1982.

[16]      Dan Reiter. Exploring the Bargaining Model of War. ASPANA, March 2003 Vol. 1/No. 1

[17]      Vail, Kenneth and Motyl, Matt and Abdollahi, Abdolhossein and Pyszczynski, Tom, Dying to Live: Terrorism, War, and Defending One's Way of Life (February 18, 2011). INTERDISCIPLINARY ANALYSES OF TERRORISM AND POLITICAL AGGRESSION, pp. 49-70, D. Antonius, A. D. Brown, T. K. Walters, J. M. Ramirez, S. J. Sinclair, eds., Cambridge, 2010. Available at SSRN: http://ssrn.com/abstract=1763549

[18]      Konrad Lorenz. On Aggression. Orlando, Florida: Harcourt Brace & Company. 1966

[19]      Mead, Margaret. "Warfare is Only an Invention -- Not a Biological Necessity." InThe Dolphin Reader. 2nd edition. Ed. Douglas Hunt. Boston: Houghton Mifflin Company, 1990. 415-421.

[20]      Henry E. Eccles, Military Power in a Free Society, Newport, RI: Naval War College Press, 1979, p. 70.


[21]      Joint Chiefs of Staff (JCS) Pub 1‑02, Department of Defense Dictionary of Military and Associated Terms, Washington, DC: USGPO, December 1, 1989, p.244.


[22]     Gartner, Scott Sigmund, Strategic Assessment in War, Yale University Press, 1999. pp 163.

[23]     Matloff, Maurice, (ed.), American Military History: 1775-1902, volume 1, Combined Books, 1996. pp11.

[24]      Wilden, Anthony, Man and Woman, War and Peace: The Strategist's Companion, Routledge, 1987. Pp235.

[25]    Matti Nojonen. The Art of Deception. Strategy lessons from Ancient China. Gaudeamus, Finland. Helsinki 2009.

[26]        Anon. 6th century: Peri Strategias, ed. And trans, George Dennis: Three Byzantine Military Treaties. Washington, D.C.: Dumbarton Oaks, 1985

[27]        Grundsatze der Strategie erlautert durch die Darstellung des Feldzugs von 1796 in Deutschland, 3 vol. Vienna: Anton Strauss. 1814, vii, 3

[28]        Andre beaufre an introduction to strategy. New York: Praeger, 1963, p.22

[29]        On War 1832/1976 I: 1, 24

[30]        Taillemite, Etienne 1999: Deux pre-Mahaniens francaise: Bouet-Willaumez et Penoat, in Herve Coutau-Begarie (ed): L' Evolution de la pensee navale, vol. VII. Paris: Economica:50

[31]        Schlichting, General Sigimsmund von 1897: Taktische und Strategische Grundsatze der Gegenwart. Ernst Siegfried Mittler and Son; 3rd edn, Berlin: Ernst Siegfried Mittler and Son, 1898:II:11

[32]        Brodie, Bernard 1973: War and Politics. New York: Mcmillan. P. 452
[33]        Wilkinson, Henry Spenser 1894:Command of the Sea and Brain of the Navy. Westminister and London: Archibald Constable. p21

[34]        Liddell Hart 1944: Thoughts on War. London: Faber and Faber. P.229

[35]        Baufre, Andre 1966: Strategie de l'Action. Paris: A. Colin; trans. R. H. Barry:Strategy of Action. London: Faber and Faber. p19-23


[36]        Luttwak, Edward 1987:Strategy: The Logic of War and Peace. Cambridge, MA: Belknap Press of Harvard University Press. p239-41

[37]        Neild, Robert 1990: An Essay on Strategy as it Affects the Achievement of Peace in a Nuclear Setting. Basingstoke: Macmillan. P.1

[38]        Wagner, August 1809:Grundzuge der reinen Strategie. Amsterdam: Kunstund Industrie-Comptoir. P. viii

[39]        Ruhle, von Lilienstern 1817:  Handbook of Officers. Vol. I Berlin: G. Reimer.

[40]             Kipling, Rudyard. The Elephant Child. Just So Stories.
[41]        Freedman, Lawrence 2008: Strategic Studies and the Problem of Power. In Thomas Mahnken and Joseph Maiolo (eds): Strategic Studies: A Reader. Abingdon: Routledge: p. 32

[42]        Earle, Edward 1943:Makers of Modern Strategy from Machiavelli to Hitler. Princeton University Press. P. viii

[43]        Johnson, Gerry, Kevan Scholes and Richard Wittington 2005: Exploring Corporate Strategy. 2nd ed. Harlow: Pearson Education. P. 9

الأربعاء، 28 ديسمبر 2016

ماذا استفدنا من معركة الدردنيل


معركة جاليبولي كما تسميها بريطانيا أو حملة الدردنيل كما تطلق عليها فرنسا أو معركة شناق قلعة التي تفتخر بها تركيا عبارة عن دروس وعبر كثيرة في السياسة والفكر العسكري والأطماع الإستعمارية وصراع الحضارات. فهي المعركة التي هندسها ونستون تشيرتشل عام 1915م لدعم روسيا خلال الحرب العالمية الأولى ضد الألمان عن طريق مضيق الدردنيل للوصول الى بحر مرمرة ومنه مضيق البوسفور ليصل الى البحر الأسود. 

بدأ الحلفاء غزوهم البحري على تركيا في فبراير 1915م وكانت قواهم البحرية تضم سفن بريطانية وفرنسية وفي ابريل 1915م أتبعوها بغزو بري ضم قوات بريطانية وفرنسية وفرق عسكرية من استراليا ونيوزيلندا. استمر التحالف في تلقي الهزائم من القوات التركية والقوات الموالية لها في ولاياتها مثل حلب ودمشق وبغداد والقدس ونابلس وغيرها ، حتى أصدرت الأوامر بالانسحاب والاخلاء الى قوات الحلفاء الذين تكبدوا خسائر في الأرواح وصلت الى 252 الف بين مصاب وقتيل. كما تكبدت القوات التركية وولاياتها 250 الف مصاب وقتيل.(1)

والباحث في المصادر الرئيسية لهذه الحرب سيجد اختلافات تدوين متحيزة وسرد وقائع مختلف فالبريطانيين ركزوا على تبرير هزائمهم وأدخلوا نجاحات كثيرة رغم سحقهم وفقدانهم أهم غواصاتهم وسفنهم الحربية. أما الأستراليين والنيوزيلنديين فكان تركيزهم على البأس والشجاعة في النزال البري أما الأتراك فركزوا على التضحيات الكبيرة والبطولات الفردية. ومن تداول الموضوع من غير المشاركين بالحرب فكتب عن مؤامرات لإنشاء الدولة التركية العلمانية. لذا حاولنا في هذه الصفحات تبين الحقائق فقط والخروج بدروس نستفيد منها.  

علاقة تركيا بألمانيا في الحرب العالمية الأولى
ساد تكتم على علاقة تركيا بألمانيا في الحرب العالمية الأولى ولكن الدلائل كانت تشير الى أن تركيا كانت تلعب دور سياسي لا يقحمها مباشرة في صراعات مدمرة. ورغم ذلك كانت تميل أكثر الى ألمانيا التي سلمتها القوقاز الروسية في شمال غرب ايران. وفي نوفمبر 1914م اعلنت روسيا الحرب على تركيا ، ومن طرفها وقعت تركيا اتفاق سري بالتعاون مع المانيا ضد روسيا وهو اتفاق لا يرغمها على دخول مناوشات حربية. (2)

تفاصيل المعارك
كان هدف تشيرتشل مهاجمة القسطنطينية عن طريق البحر (أطلق على القسطنطينية إسم اسطنبول عام 1923م بعد تشكيل جمهورية تركيا الحديثة). وتعتبر القسطنطينية عاصمة امبراطوريات متعددة كالرومانية والبيزنطينية واللاتينية والعثمانية. كانت الخطة بسيطة وهي دك القلاع على الاراضي التركية بمحاذاة شريط الدردنيل واضعافها وثم التقدم الى القسطنطينية. وفي 19 فبراير 1915م بدأ الاسطول البريطاني-الفرنسي مهاجمة ودك القلاع التركية فلم تتحرك القوات التركية للرد وأيقن الحلفاء أن الأمر أصبح في غاية البساطة وأن الامبراطورية العثمانية في غاية ضعفها. عندها تحركت السفن ودخلت فم مضيق الدردنيل وبدأ 250 مدفع ثقيل يعمل في تدمير القلاع التركية ولم يتمكن الأتراك في الرد لأن مدى مدافعهم كان أقصر. وما أن توغلت السفن البريطانية والفرنسية أكثر في مضيق الدردنيل فقد دخلت ضمن نيران المدفعية التركية والألغام البحرية التي فاجأتها وأغرقت ثلاثة سفن وأعطبت مثلها وانسحبت السفن والمدمرات المتبقية بعد محاولات يائسة لإنتشال المصابين. كانت هزيمة نكراء إنتشرت أخبارها كالبرق في دول العالم.(3)

لم تتقبل بريطانيا العظمى هزيمتها بعد ان استدرجتها القوات العثمانية الى حتفها ، فقررت تعزيز هجومها البحري بهجوم بري للإستيلاء على التحصينات التركية وإسكات المدافع الثقيلة. كان الثقل الاستراتيجي ينصب على الجهد البري الذي يقوده القائد البريطاني هاميلتون ويضم نخبة من القوات الاسترالية والنيوزيلندية والفرنسية. وبدأ التحضير للجهد البري الذي استغرق أكثر من شهر وكانت مدة كافية للقوات التركية أن تفهم الموقف جيداً وتعزز دفاعاتها. 

خططت بريطانيا لإنزال فرقتها 29 على خمسة شواطئ في منطقة "كيب هيليز" في جنوب المضيق الغربي ومن ثم ستجتمع لتتحرك كقوة واحدة. وسيقتحم الاستراليون والنيوزيلنديون شاطئ "غاباتيبي" في الشمال ليعززوا القوة البريطانية. وسيحتل الفرنسيون "كوم كالي" على الأراضي الآسيوية من الدردنيل. 

بدأت محاولة الإنزال في 25 ابريل 1915م وكان العثمانيون لهم بالمرصاد يعاونهم في ذلك القائد الألماني ساندرز. واجهت القوات الغازية مقاومة شرسة تسببت في قتلى بالمئات وفشل الانزال. ورغم ارتفاع حصيلة الضحايا من قوات التحالف ، أمر هاملتون بهجوم جديد على "كريثيا" في 28 ابريل 1915م. دافع العثمانيون الأتراك عن وطنهم بكل ما اوتوا من قوة وصدوا قوات التحالف في نفس اليوم. وفي 6 مايو سحب هاملتون القوات الاسترالية والنيوزيلندية لتعزيز القوة البريطانية في هيليز ولكنه فشل وتكبدت قواته خسائر بشرية كبيرة. 

قام الأتراك في يوم 19 مايو 1915م بهجوم مباغت على القوات الاسترالية المتبقية قرب غاباتيبي ولكنها لم تنجح وتكبدت 3000 قتيل. وفي 4 يونيو أمر هاملتون الهجوم الثالث على كريثيا وكانت النتيجة مذبحة في ذلك اليوم منهم 9000 تركي و6500 من التحالف ولم يتمكن هاملتون من الاستيلاء الا على أمتار قليلة من الأرض. 

في 6 اغسطس 1915م قرر هاملتون تغيير خطته والهجوم على "سوفلا" قرب أنزاك وأيضاً باءت بالفشل. وفي اكتوبر تم تنحية الجنرال هاملتون بالقائد تشارلز مونرو. أوصى مونرو بالإخلاء بسبب قدوم الشتاء ودخول بلغاريا الحرب. وربما كان الإخلاء السري هو النجاح الذي يذكر للقوات المتحالفة. 

اختلفت الدراسات في اعداد من قتل في المعارك التي دارت على مدار ثمانية شهور ونصف ولكن من دراسات الأتراك وجدنا أن الضحايا بلغوا 250 ألفا منهم 100 الف قتيل. بينما كانت احصائيات قوات الحلفاء 182 ألف منهم 62 الف قتيل. كانت معركة دموية مؤلمة.  

دروس نتعلم منها:
اختيار القادة البريطانيين على أساس التأثير وليس القدرة كان سبب الفشل الرئيسي الذي افتقر الى وضع  خطط استراتيجية مدروسة وبتأني. كما أدى ضعف قدرة القيادة الى التأخير في قرارات الهجوم وسرعة الحركة. وساهم افراط القادة بالثقة بالنفس والشعور بالعظمة الى الاقتناع من أن الخصم أضعف من أن يستطيع المقاومة. تسبب كل ذلك في اختيار طبيعة وعرة لإقتحامها وتم انزال القوات المتحالفة في وسط شاطئ مفتوح وليس على الموانئ. لذا كان من المستحيل احتلال مناطق مرتفعة وعرة ومحصنة بقوات بشرية تكاد أن تتساوى في القوة والامكانيات. وساهم ضعف المعلومات الاستخباراتية وغياب الخرائط الدقيقة الى انزال خاطئ. يقول هاملتون: معرفتي عن الدردنيل: عدم ، عن الاتراك:عدم ، عن القوة التي ستهاجمها قواتنا: عدم."

وبسبب الإستعجال لم تصل المؤونة اللازمة والمواد في الوقت المطلوب. اضف على ذلك تأثير الطقس وندرة المياه والغذاء والتضاريس الوعرة التي لم تخدم قوات التحالف.
أما بالنسبة للأتراك فقد استغلوا بالفعل ارتفاع الأرض المحيطة بالمضيق واستعدوا استعدادا جيدا للمعركة وكانت لديهم معرفة بالأرض. وما تميزوا به هو استخدامهم للألغام البحرية التي كان لها التأثير الأكبر في كسر معنويات التحالف منذ اليوم الأول. كان الحظ يحالف الأتراك فلديهم طائرات استطلاع ألمانية وخبرات قيادية من ألمانيا. كما حالفهم الحظ في تلكؤ قوات التحالف في سرعة اتخاذ قرار الهجوم. ورغم الأعداد البشرية الكبيرة التي فقدها الأتراك كانوا يقاتلون ببسالة ويذودون عن ارضهم. كما لعب مصطفى كمال دورا بارزا في هزيمة البريطانيين بمنع التحام قوات التحالف مع بعض وتفريقهم. لقب بأتاتورك لاحقا وكان قائدا لاحدى الفرق في المعركة. وقاد مصطفى كمال تأسيس الدولة التركية الحديثة لاحقاً. فبالنسبة للأتراك فهي المرة الأولى التي ينتصرون فيها على القوى العالمية. 

 فكر تشيرتشل
كان غزو تركيا من فكر ونستون تشيرتشل والذي كان وزيرا للبحرية البريطانية آنذاك. فقد كان يطمح في أن يهدي مدينة إسطنبول الى الروس. بعد ضعف الدولة العثمانية ، كانت بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية يتفاهمون سراً على تقسيم المنطقة العربية ايضا فمعاهدة سايكس بيكو دليلا آخر على أطماعهم. ولكن في تركيا ، باءت مخططات تشيرتشل بالفشل فعزل من منصبه. وكإضافة مفيدة نذكرها هنا أن تشرتشل لمع نجمه ثانية في الحرب العالمية الثانية. فبعد فشله في معركة جاليبولي وعزله ، ذهب ليقاتل في الخطوط الاولى في فرنسا وعاد عام 1917م كوزير للذخيرة. كان اصدقاؤه السياسيون يسخرون منه عندما يتحدث ويقولون:" ماذا عن الدردنيل؟" وكان يرد عليهم أنه يفتخر بقراره في معركة الدردنيل والتي يمكن أن تكون قتلاها بالملايين. هؤلاء السياسيين أمثال تشرتشل يبيعون الكلام ويأسرون العامة به. وفي المقابل يهدمون ويقتلون بنقص كفاءتهم وترددهم. فهو من أصدر الأوامر بغزو تركيا وهو من ضغط على قادته حتى أصاب بعضهم أزمات نفسية استبدلوا في وسط المعارك. (4)

أثر جاليبولي في نجاح انزال نورماندي
حققت الدروس المستفادة من معركة جاليبولي إنزال ناجح في النورماندي إبان الحرب العالمية الثانية. فقد قام الحلفاء بالتخطيط الجيد والمفصل للإنزال وتم اختيار أفضل بقعة على الساحل الفرنسي. وكان الإنزال هو الأضخم على مر التاريخ حيث شاركت فيه قوات بحرية وبرية وجوية. كانت القرارات سريعة وتحرك القوات تماثلها حركية. تم تأجيل الإنزال يوماً بسبب سوء الأحوال الجوية. واستخدمت خطط التضليل والتكتيم حول موقع الانزال. كما شهدت المعارك انزال مظلي خلف خطوط الألمان. وبسبب الأعداد الكبيرة تم بناء مرافئ مؤقته لنزول القوات والمعدات والذخائر والمؤن. 

دروس لا نتعلم منها
درسنا الأول في أهمية الحفاظ على وتنمية الرأسمال البشري. رغم نجاح القوات التركية في الحفاظ على اسطنبول وقيام الدولة التركية الحديثة الا أنها خسرت الكثير من قواها البشرية في المعارك المختلفة في القوقاز والبحر الأسود وقناة السويس أيضاً. فالمعارك وبال على البشر وتكلفتها مدمرة والتعافي منها يحتاج الى التضحيات. لم تستطع تركيا أن تستمر في حروبها وهي في أوج ضعف الدولة العثمانية والخسائر البشرية الفادحة التي تُمنى بها في الشرق والغرب والأراضي التي تخسرها لصالح الأوروبيين. فتخلفت صناعاتها ولجأت الى المفاوضات والمعاهدات. لم يرضى الأتراك عن وضع الدولة العثمانية الضعيف ونجحوا في ثورتهم "الكمالية" التي قادها مصطفى كمال لاحقاً لتأسيس دولة تركية علمانية. الرأسمال البشري هو ثروة الوطن. وها هم بمئات الآلاف يُضحى بهم بلا نتيجة في دولنا العربية فنخسر تلك العقول الجبارة. 

ويتلخص الدرس الثاني في التغيير وادارته. هل نجح "أب الأتراك" أو "أتاتورك" في تغيير إصلاحي من جذوره أم أنه مزق الدولة التركية وأبعدها عن الإسلام؟ الإجابة واضحة في عودة أغلبية الشعب التركي اليوم لأصوله المسلمة. لا ينجح تغيير جذري كما قام به مصطفى كمال أتاتورك بين عشية وضحاها وتكوين دولة علمانية بأغلبية مسلمة ، فهذا تناقض. محاولة تغيير ومحو الثقافة في فترة قصيرة تكاد أن تكون مستحيلة. القارئ المنصف لأحداث التاريخ سيجد أن مصطفى كمال كان مخلصا لبلاده ساعيا لتطويرها حسب توجهاته وفهمه للأحداث حوله وكان مقتنعا بالفكر العلماني السائد في فصل الدين عن الدولة. وعلى ذلك استفادت تركيا بإعادة صداقاتها مع الدول الأوروبية والحصول على المكاسب الإقتصادية والسياسية. ولكنه كان جاهلاً بكيفية إدارة تغيير ثقافة المجتمع وأن المكاسب يمكن تحقيقها حتى وإن لم تعلن تركيا علمانيتها. فالفرق بين الأمرين هو وقت بناء وتطوير المجتمع الداخلي وأيضا بناء الثقة بين الدول. 

ودرسنا الثالث في ضرورة تنمية المواطن وتحمل هفواته لأنه الطريق الوحيد لبناء المجتمع المتكاتف. لا صبر لقيادات اليوم في بناء المجتمعات التي تتطلب الوقت والجهد وهم على قناعة زائفة بأن التنمية هي مجموعة مشاريع تشرف عليها شركات دولية متمكنة. أما الشعوب فهي لا تستطيع اللحاق بقطار التنمية السريع ولا قدرة لديها على ذلك. ولا يعلمون أن الدول المتقدمة ينفقون هدراً على مشاريع البحث والتطوير ويواجهون الفشل تلو الآخر ويصبرون حتى يصلون لمبتغاهم. أما في دولنا ، فمن أول هفوة ، تتم تنحية المغلوب على أمره. عاصر تشيرتشيل الحرب العالمية الأولى والثانية وتسبب بكوارث على مدى 25 عاماً حتى حصل على منصب رئيس وزراء بريطانيا عام 1940م. من أقواله: "إن كنت تمر عبر الجحيم ، واصل طريقك" ، فهو الذي انتقل من فشل الى فشل آخر دون أن يفقد حماسه.     

ونخص في درسنا الرابع التعايش مع اختلافاتنا بوجود هدف مشترك. لا يمكن لأي دولة أن تتعايش مع مواطنيها "العلمانيين" وتهمل مواطنيها "المسلمين" أو العكس. وللأسف لدينا أمثلة كثيرة اليوم ، تذهب الى حد التجريم والتكفير. يستحيل اقصاء الأخ عن أخيه والأب عن إبنه والقريب عن قريبه. فالكل يتأثر ويؤثر في مجتمعه. فأي حل يفرق بين أفراد المجتمع نتيجته الفشل. وكان أحد اسباب فشل الدولة العثمانية يتمثل في حالة الاستبداد وفرض الضرائب على الشعب الذي حورب في قوته وأصبح همه في توفير معيشته اليومية وتخلف علمياً وصناعيا وبالتالي ضعفت قوته العسكرية تدريجياً.    

وفي خامس درس نفهم أن الأطماع الأجنبية للدول الإستعمارية تعتبر أزلية وستستمر. فمعركة جاليبولي وضحت أن الغرب بتفوقه العسكري الهائل يرى أن بإمكانه  فعل ما يرغب بدون منازع ولو كان ظلما. لذا فإنه سيقتطع أي منطقة يشاء من الدول الضعيفة يساوم فيها ويفاوض الدول المستعمرة الأخرى لرفع سقف مكاسبه. وما يفاقم الوضع أن بعض السلاطين خوفاً على امبراطورياتهم يغدقون على الأجانب بأموال وامتيازات ومقدرات شعوبها حتى تبقى في السلطة ولا يعرفون أن الشعوب هي المخلص الحقيقي. 

وأخيراً ، هل الدولة العلمانية هي التي ستنهض بالأمة العربية والاسلامية؟ من تطرقنا لأسباب قوة وضعف الدولة العثمانية وجدنا أن الدولة العثمانية تأسست على العدل والمساواة (قانون نامه) فالشكل اسلامي والمضمون شورى (نظام يتفوق على الديموقراطية بسبب تصويته المباشر). فالعدل والمساواة كفلا تلاحم افرادها وبناء دولتها وبكلمة حق فهي الدولة التي تصدت للغزو الأوروبي ومثلت الإسلام خير تمثيل ونشرته في أوروبا. 



السبت، 16 أبريل 2016

١٧ طريقة سريعة لتصبح شعبياً


17 QUICK WAYS TO BECOME POPULAR

By Nathan Dean

١٧ طريقة سريعة لتصبح شعبياً

كتبها: ناثان دين
ترجمة د. راشد السعدي


إعترف بخطأك بشجاعة. في حالة الخطأ، بدلا من أن تقول آسف قل: "أعترف أنني ارتكبت خطأ". قد يكون من الصعب عليك ان تعترف بالأخطاء  ولكن في نهاية المطاف ستجعل الأمور في نصابها الصحيح.

لا تشترك أبدأ في القيل والقال والنميمة في موقع عملك. 

كن وفيا، مركزاً على عملك وصادقاً ومخلصاً في أدائه.  

عِش لتتعلم ولا تتعلم لتعيش.

في حال وجود استفسار منك او تحقيق عليك، لا تخف ولا تعطي ذريعة. حاول أن توفر تفسير واضح وسليم.

كن دقيقاً وموجِزاً عندما تستخدم الهاتف للتواصل.

خذ اهتماما كبيرا في جمع المعلومات كجزء من معرفتك. فالمعرفة قوة. فهي تساعدك دائما أن تكون مشاركاً نشطاً في المحادثات.

لا تجلب قلقك ومخاوفك في العمل الى المنزل، ولا تحمل هموم المنزل إلى المكتب.

كن حذرا في اختيار الملابس الخاصة بك، والتي ينبغي أن تكون مناسبة لمظهرك والمهنة. لا تدع الأزياء تشغلك.

احضر في الموعد عندما يكون موعد ثابت. عندما تحضر في الوقت المحدد فإنك تعطي انطباعاً بإحترام وتقدير الطرف الآخر.

كن مثالاً من الحماس والنشاط. قم بإختيار شخص مثالي لديك واتبع نهجه.

لا تغير مزاجك الإيجابي. فالشخصية الإيجابية يمكن أن تجعل الشخص يقف في أي مكان.

لتكن لديك روح الدعابة، إلقي النكات، ولكن لا تلعب مع عواطف أي شخص.

قابل الناس. لتكن اجتماعياً. كن لطيفا مع الجميع. إحفظ أسمائهم ودائما استخدام المجاملات في محادثتك مثل "شكرا"، "لو سمحت" الخ.

إلبس ابتسامة واثقة دائما. ابتسامتك يمكن أن تغير الحالة الذهنية لك وللآخرين.

القيام بالأشياء التي لا يقوم بها أحد هي الطريق الصحيح.

لا تكون فضولي.

التمييز ضد كبار السن



التمييز ضد كبار السن

من أرقى عاداتنا وثقافتنا العربية إحترام كبار السن. فهو تقدير لما بذلوا وأعطوا ولخبراتهم التي تُنقَل لمن هو أصغر منهم. واحترامهم قيمة تغرس هذه الثقافة في صغارنا تزيدهم ثقة بأنفسهم لأنهم يوماً ما سيصبحوا في نفس السن وسيحترمهم وسيقدرهم مجتمعهم. تعلمنا هذه الثقافة من ديننا الحنيف. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا" "رواه الترمذي". وكذلك "يسلم الصغير على الكبير والمار على القاعد والقليل على الكثير" "رواه البخاري". وعن فضل المسنين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بخياركم قالوا بلى يا رسول الله قال: خياركم أطولكم أعماراً وأحسنكم أخلاقاً" "رواه أحمد".

لقد حمت حكمة الآباء وقوة الأبناء أوطاننا من الغزو الفكري والجغرافي على مدى العهود ، وعندما ضعفت تحت ضغوطات الدول العظمى ، تغلغلت العولمة اليوم في سياساتنا واقتصادنا ومجتمعاتنا. وأصبحنا ننتهج سياساتهم ونطبق دراساتهم. أصبحنا لا نسمع حكمة شيوخنا وخبراتهم ، إنما نوظِف كما يوظِفون حتى أصبح الموظَف عندنا مديراً بسرعة هائلة متخطياً سنين الخبرة المطلوب اكتسابها ليصبح مديراً بلا خبرة. وكأننا تجاهلنا ان الخبرة لا يمكن تعلمها أو إستبدالها بلا ممارسة فعلية. وتصارع الشباب مع كبار السن على المناصب حتى اصبح الفكر السائد أن الشباب هم قادة المستقبل. 

بدأ التمييز ضد كبار السن على مستوى العالم حتى أصبح معدل توظيفهم أقل من الشباب وأصبحوا يستغرقون وقتاً أطول في البحث عن وظيفة. وان حصلوا عليها فبدرجات وظيفية اقل ورواتب أقل. ويُقالون من اعمالهم باسباب واهية مثل تقليص المنظومة وترشيد الانفاق او برنامج التقاعد المبكر او السن المحدد للتقاعد. 

يواجه كبار السن تمييزاً في العمل بسبب اوهام واعتقادات غير صحيحة أو ربما نتيجةً لبعض الدراسات المتحيزة أو تلك التي شابتها الأخطاء. وربما أخطأ البعض تفسير بعض الدراسات الادارية التي إدّعت أن الشباب هم من يجب عليهم قيادة عالمنا المعاصر. يعتقدون ان كبار السن سينهكون وسيحترقون من ضغوط العمل وبأنهم يقاومون التكنولوجيا الحديثة وسيتغيبون عن العمل بسبب امراضهم ولن يتمكنوا من العمل مع المشرفين من الشباب. لا يستطيعون السفر او يترددون ، وهم اقل ابداعاً واقل انتاجاً. وأيضاً ، كبار السن أبطأ بالمهارات الفكرية واستقطابهم مكلف.

الا ان الدراسات الاقتصادية والديموغرافية والنفسية تدحض هذه المعتقدات. يقول مؤلف كتاب "ادارة كبار السن" البروفيسور بيتر كابيللي والذي كتبه مع البروفيسور بيل نوفيللي من جامعة جورج تاون أن "كبار السن اثبتوا مراراً وتكراراً تغلبهم القوي على صغار السن. فكل وجه من اوجه أداء العمل يتحسن عندما نكبر. كنت اعتقد أن الصورة مختلطة ولكنها ليست كذلك. ان التمييز الذي يواجه كبار السن في اسواق العمل لا منطق له".

لقد سجل كبار السن درجات اعلى في القيادة والمهام كثيفة التفاصيل والتنظيم والاستماع ومهارات الكتابة وحل المشاكل وحتى في علم الحاسب الآلي. وهذه المهارات هي أساس توظيف القادة والمدراء وهي ركيزة من سينجح في الوظائف الأخرى. 

ولقد وجدت دراسة من جامعة ولاية كارولاينا الشمالية ان المبرمجين من كبار السن يعرفون مواضيع اكثر من الشباب ويجيبون على الاسئلة بطريقة أفضل ويتأقلمون افضل في بعض الأنظمة الجديدة. ويعتقد زميلهم ايمرسون مورفي هيل ان الشخص الذي يعرف التكنولوجيا القديمة لن تصعب عليه معرفة التكنولوجيا الحديثة. 

ويضيف بيتر كابيللي ان كبار السن لديهم حوافز كامنة نابعة من المجتمع ورسالته وهدف ايجاد عالم أفضل ، بينما تكمن حوافز صغار السن في الحصول على الراتب والترقية. 

ولكن افضل ما يقدمه كبار السن هو الخبرة والحكمة. لقد تعلموا كيفية التعايش مع الناس وحل المعاضل بدون اللجوء الى المساعدة وخلق اجواء تشوبها الفوضى. كما توفر الخبرة لصاحبها حسن التدبير والحكم على الأمور. بينما في المقابل نجد ان صغار السن يتمتعون بسمعة البراعة في استبدال المهام التي يفرضها المكتب الحديث والمتصفة بالتشتيت التكنولوجي.

ولكن حسب ما يعتقد عالم الأعصاب والطبيب آدم غزالي من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو فإن التعامل مع مهمتين في نفس الوقت قد أُسيئَ تعريفها. فعقل الانسان لا يمكن ان يتعامل مع مهمتين في نفس الوقت. فهو ينتقل بين مهمة ومهمة أخرى. فالعامل الخبير سيوصد الباب ويغلق المشتتات الالكترونية. وهذا يفسر لماذا يسجل بعض كبار السن درجات اقل في الاختبارات الفكرية في مختبرات الفحص ولكن في العمل لا يقل أداؤهم ولا يتعرضون لاصابات عمل مقارنة بالشباب. فالحرص والسلامة يأتيان مع الخبرة.

كما يتميز كبار السن بالولاء وبأخلاقيات المهنة علاوة على أن علاقاتهم مع معارفهم أقوى متانة. 

وخلاصة القول إن من سمات العقل البشري التكيف وكل شخص بإمكانه أن يتلقى المعرفة ويكتسب المهارات الجديدة طوال فترة حياته مهما كان عمره اذا ما حصل على فرصة. لذا فالاعتقاد السائد بأن كبار السن أقل كفاءة هو مجرد وَهْمٌ لا صحة له وتدحضه جميع الدراسات النفسية والاقتصادية والاجتماعية. 

 المراجع:
حقائق مدهشة عن كبار السن. بيتر اومانسكي. AARP Guide. ١١ يوليو ٢٠١٦م صفحة ١٥
دراسة: كبار السن أكثر حماسا للعمل من الشباب. جريدة الرياض ١١ سبتمبر ٢٠١٥م
خمسة اسباب وجيهة لتوظيف كبار السن. المنتدى المفتوح. فيفيان جيانغ . اغسطس ٢٠١٣م
دراسات تدحض قدرات اقل لدى كبار السن. The Register Guard. ٤ ابريل ١٩٧٦م صفحة ٥




السبت، 16 يناير 2016

أقوى الإقتباسات لكلمات مارتن لوثر كنج



كلمات في العدالة
1. "سوف تستمر زوبعة الثورة في زعزعة أسس أمتنا حتى يبزغ يوم العدالة المشرق."
2. "نحن جميعا نريد حقوقنا، نريدها هنا، نريدها الآن."
3. "الآن هو الوقت المناسب لجعل العدالة حقيقة واقعة لجميع أبناء الله".

كلمات في اللاعنف
4. "يجب ألا نسمح لاحتجاجنا الخلاق أن يتحول إلى العنف الجسدي."
5. "وهنا يكمن المعنى والقيمة الحقيقية للشفقة واللاعنف: عندما تساعدنا على رؤية وجهة نظر العدو وتمكننا من سماع أسئلته، ومعرفة تقييمه لنا. من وجهة نظره قد نرى في الواقع نقاط الضعف الأساسية للحالة الخاصة بنا، وإذا كنا راشدين، سنتعلم وسنتطور وسنرى الفائدة من حكمة اخواننا الذين يطلق عليهم اسم المعارضة ".
6. "كل رجل حسب قناعاته الإنسانية يجب أن يقرر نوع الاحتجاج الذي يناسب قناعاته، ولكن يجب علينا جميعا الاحتجاج."
7. "لا يزال لدينا خيار اليوم: التعايش اللاعنفي أو العنف المؤدي الى إبادة. وعلينا أن نتحرك ونتعدى ترددنا الماضي في اخذ القرار إلى البدء بالعمل ".
8. "على الرغم من الإنتصارات المؤقتة، لا يجلب العنف السلام الدائم".
9. "نحن نتبنى وسيلة اللاعنف لأن غايتنا مجتمع يتعايش في سلام مع نفسه. وسوف نحاول أن نقنع بكلماتنا، ولكن إذا أخفقت كلماتنا، سوف نحاول أن نقنع بأفعالنا ".

كلمات في السلام والثورة
10. "الشعب المظلوم لا يمكن أن يبقى مظلوماً إلى الأبد. التوق إلى الحرية يتجلى في نهاية المطاف ويفرض نفسه".
11. "مع الصبر والعزم الراسخ سنصر على أن يتم رفع كل وادٍ من اليأس إلى قمم جديدة من الأمل، حتى نخفض ونُسطّح رأس كل جبل يتصف بالكبرياء واللاعقلانية مستخدمين التواضع والرحمة؛ حتى تتحول الأماكن الوعرة من الظلم إلى هضبة سلسة من تكافؤ الفرص؛ وحتى تتحول الأماكن الملتوية للعنصرية بحكمة البصيرة المشرقة الى اماكن اكثر استواءاً ".
12. "يجب ألا نركز سلبياً فقط على طرد الحرب، ولكن إيجابياً على تأكيد السلام".
13. "لقد حانت الساعة لاندلاع حرب عالمية ضد الفقر. يجب على الدول الغنية استخدام مواردها الهائلة من الثروة لتطوير الدول الفقيرة، وتعليم الغير متعلم، وإطعام من لا يستطيع اطعام نفسه. في نهاية المطاف الأمة العظيمة هي الأمة الرحيمة".
14. "أعتقد أن الحقيقة الغير مسلحة والحب غير المشروط سيكون لهما الكلمة النهائية في الواقع. هذا يفسر كيف ان الحق المهزوم مؤقتاً أقوى بكثير من إنتصار الشر".
15. "الآن دعونا نبدأ. الآن دعونا نعيد تكريس أنفسنا لنضال طويل ومرير، ولكنه جميل، نضال من أجل عالم جديد ".



من: العفو الدولية

الخميس، 26 نوفمبر 2015

عندما تموت الكرامة

عندما تموت الكرامة
د. راشد علي السعدي
لم تمر علينا محن متشابكة ومعقددة كتشابك وتعقيدات خلايا الدماغ مثل ما يمر علينا اليوم. كل خلية لها وظيفة تؤديها عبر رسالة من خلايا عصبية دماغية وتشترك مع عدة خلايا تنسق وظائفها بإشارات مختلفة. كذلك ، كل عنصر من عناصر الصراع لديه وجهة نظر مختلفة ينقلها من خلال وسائله العنيفة وغيرها. هناك وجهات نظر مختلفة حتى ضمن العنصر نفسه تتصارع علناً وأحيانا لا تكون إشاراتها قوية حتى تبرز وتؤثر في محيطها لأسباب متعددة. فكيف ستتوافق كل هذه الأفكار المتناقضة والمتضاربة ذات العقائد المختلفة المعلنة والمبطنة من أجل أن تعيش شعوب العالم في سلام ووئام؟  

تطرح الأفكار التي نعيشها في ظل الأزمة السورية وتداعياتها على الدول والمجموعات مثالٌ حي على التناقض الصريح والمعقد في هذه الأفكار الغير قابلة للتغيير ، فكيف نحاول أن نكتشف إن كان بإمكاننا أن نغيرها؟  فهناك عقيدة الدولة الإسلامية وأفكار مؤيديها ووجهة نظر الحكومة السورية ووجهات نظر مؤيديها وآراء الحكومات الغربية وأفكار المهاجرين ومعاناة اللاجئين ووجهات النظر المحايدة. كلها تتشابك في محن مرّكبة للشعب السوري ودول الإقليم والمتأثرين بها من دول العالم. فما هي وجهات النظر المختلفة لهم وأين يلتقون؟
وجهة نظر الجماعات الجهادية
تهدف الجماعات الإسلامية مثل تنظيم الدولة الى اقامة الدولة الإسلامية. وترى انها على منهاج أهل السنة والجماعة. ومن عقيدتها وجوب هدم كل مظاهر الشرك وأن الرافضة طائفة شرك وأن الساحر يجب أن يقتل. وقد اقامت المحاكم وطبقت الحدود على الجميع. وأقامت نظاما اقتصاديا بعيدا عن الربا. كما تؤمن أن العلمانية كفر وأن من يعاون المحتل كافر. كما ترى الدولة الإسلامية أن الجهاد فرض منذ سقوط الأندلس. وأن ديار المسلمين تعتليها شرائع الكفر ويتوجب إزالتها. كما أنها ترى التغلغل الأجنبي في البلاد العربية ودعمه الصريح لرؤساء الدول العربية الأمر الذي قاد الى علمنة الدول واخماد التحركات الإسلامية التي تنشد الكرامة والسيادة واحترام الذات.
مؤيد للثائرين السوريين
أمتنا الإسلامية في خطر من جراء استبداد وقهر وظلم الأنظمة الفاسدة وحكومات دولنا العربية. هذا الطغيان ولّد شعوبا مقهورة تكفر بكل هذه الحكومات ومن والاهم لأنهم يشجعون الحكومات على الإستمرار بالتنكيل بشعوبهم وسلب حرياتهم. إن الدوس على كرامة الشعوب قاد الى قسوة أحكام الثائرين مثل السوريين. لم تترك هذه الدول ولا حلفاؤها أي مجال للإعتدال. الثوار اليوم في كل بقاع العالم وخصوصا في الأراضي العربية ، فهم كامنين وسيُحصد الجميع.
وجهة نظر مؤيدة للحكومة السورية
لدينا سيادة وكرامة في بلدنا يجب أن تحترمها قوانين العالم ودولها التي تتدخل في شؤوننا. الغرب يتطلع الى انتهاك هذه السيادة لإركاعنا والإمتثال بأوامره. عملنا يجب أن يوجه الى شعبنا وليس لمصالح الغرب. تؤكد بلدنا أن الحيادية والمصداقية والشفافية وعدم التسييس يجب أن تكون أرضيات التعامل بين الدول. دولاً عديدة تتدخل تدخلاً سافراً على أراضينا ومقاتلين من دولهم يشتركون في قتالنا ونعاني من انتهاكات سيادة وكرامة دولتنا.
وجهة نظر مؤيدة للحكومات الغربية
داعش جماعة تكفيرية ومجرمون لا يعرفون التفاهم والكلام إنما الأحزمة الناسفة. يقاتلون الجميع ولا هدف سياسي لهم ولا رؤية واضحة سوى السعى وراء إعادة تاريخ مضى عليه أكثر من 1400 سنة. هم يحددون من يستطيع الحياة ومن يستحق الموت. وانتشرت أفكارهم لتضرب خارج حدود سوريا والعراق وانتهكوا أمن الدول وتعدوا على ممتلكاتها وشعوبها. فهي طائفة لا يمكن التفاوض معها لأن عقائدها غير مرنة وأيضا لا يمكن اقناعهم بخطأ أفكارهم لذا فالسبيل الوحيد هو القضاء عليهم.
وجهة نظر لاجئ سوري
نفر من الصراعات والإضطهاد في أوضاع خطرة ونعيش ظروف لا تحتمل ونعبر الحدود بحثا عن الأمان. إن حرماننا من الملاذ الآمن سيعرضنا الى عواقب وخيمة. هناك العديد من القوانين تحمي أوضاعنا مثل اتفاقية 1951 وبروتوكول 1967 التي تحدد عدم طرد اللاجئ. نتطلع الى احترام حقوقنا الإنسانية والعيش بكرامة.
 وجهة نظر مهاجر سوري
أتينا بحثا عن تحسين سبل معيشتنا والحصول على تعليم وعمل أفضل. نتوقع ان يعاملنا بلدنا الجديد بكرامة وسنبذل الغالي والنفيس لتحقيق حلم بلدنا الجديد ونساهم في بناء مجتمعه وننسجم فيه. ولكننا في بلاد المهجر نعاني حتى نحصل على حلاً ماديا يرضينا. بعض المواطنين في بلدنا الجديد لا يثقون بنا ويخافون من المهاجرين وخوفهم نابع من الخوف من المجهول. اذا وضعوا انفسهم مكاننا فهل سيستحملون جوع اطفالهم كل يوم وهل سيستحملون ان تهدد حياتهم بالفقر والمجاعة والأمراض والعنف؟ ألا تتوق الى الحرية والأمل؟ عدم التسامح معنا سيشعرنا بأننا غير مرغوب بهم وإن ضاقت بنا السبل سنعود لنحفظ كرامتنا في أوطاننا التي هجرناها والتي سترحب بنا وتحمينا.
وجهة نظر محايدة
من البديهي أن تكون هناك وجهات نظر مختلفة ومتعارضة حول موضوع الإرهاب حسب ما يسميه البعض والثوار أو المعارضة حسب تسميات أخرى. يجب أن تعرض بشكل موضوعي وعادل ينصف الجميع.الكثير من وسائل الإعلام يعطي ثقلا أكبر لبعض النقاط ويهتم بوجهات نظر معينة حسب موقعه. لا يطرحون الحلول التي توفق بين الأطراف وإنما الإثارة الإعلامية مما تؤثر على قرار المشاهد وتكوين آرائه. لا يجب أن تغيب وجهات النظر الأخرى أو كتمان أخبار وحقائق عن المشاهد بسبب التحيز. يجب أن تحل المسائل بدون صخب إعلامي. يجب أن لا نتدخل في شؤون البلدان الأخرى ونحترم سيادتهم وكرامتهم. الصراع يحتاج الى تعقل. وللتوصل الى الحلول تحتاج الأطراف الى قدر كبير من التسامح والتنازل.
الكرامة نقطة الإلتقاء
عندما نتطلع الى وجهات النظر المختلفة هذه ، يبدو لنا فوراً أنها لا يمكن لها الإلتقاء. وفي اعادة قراءتها مراراً وتكراراً يمكن أن نلاحظ نقطة الإلتقاء في كرامة كل شخص في هذه المجموعات. إن أهم ما يملك المرء هو كرامته وهي تتمثل في كونه جدير بالإحترام والشرف. كل شخص يفتخر بنفسه وعائلته ومجتمعه وشعبه. فإذا ما أظهر كل شخص منا تقديرا لكرامة الآخر فإن عالمنا سيصبح مكاناً أفضل. جميعنا خلقنا متساوون ونستحق أن نعيش بكرامة. فالكرامة متأصلة لا تنتهك ولا يمكن أن تؤخذ منا من قبل أي قوة في العالم.
عندما تموت الكرامة عن طريق إنتهاكها وسلبها تموت أساسيات حقوق الإنسان ولا يعد لقوانين وآليات حقوق الإنسان أي معنى. فقد خلَقَ الله الإنسان بيده ، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته؛ إكرامًا واحترامًا. لقد خلقنا لنتعارف لا أن نَقتل ونُقتل. إن ما يميزنا عن غيرنا هو سلوكنا وفضائلنا وإلتزامنا تجاه الله وأنفسنا ومخلوقاته. هدفنا التعاون على البر والإحسان وليس الصراع والحروب والمصالح الفردية ، والتسامح وبناء المجتمعات وليس الإنتقام والتخاصم، وإعمار الأرض وإقتصادها وليس دمارها ، والعدالة الإنسانية بين الأمم وليس الإقتصار والتحيز لطائفة على أخرى ، وتبادل المعرفة وليس احتكارها. هذه أهداف سامية عميقة يجب أن تكون أهدافنا في هذا الكون ولتحقيقها يمكننا أن نسلك طرقاً عديدة مختلفة توصلنا الى نفس النتيجة لذا لا يجب أن نختلف على طرق تحقيقها

"ولقد كرمنا بني آدم" ، " إن أكرمكم عند الله أتقاكم" ، "فإستبقوا الخيرات."