د. راشد علي محمد السعدي
مقدمة
اللغة هي أداة لا غنى عنها
للاتصال. ومن خلال اللغة يتواصل الناس بأفكارهم وآرائهم حول القضايا والاهتمامات المشتركة.
وفي مجال التعليم، لها تأثير بالغ الأهمية في التأثير على التعلم الفعال. فمن خلال
الدرس ، يوصل المعلم الأهداف ، وطبيعة الموضوع والقيم والمهارات المطلوبة
للمتعلمين والمواقف من خلال اللغة التي يستخدمها ويفهمها المتعلمين. فالتعليم قوة واللغة هي مفتاح الوصول إلى تلك القوة. فالطفل
الذي يتفوق في المدرسة ستتطور لديه الثقة بالنفس والاعتزاز وستتحقق له فرص عمل أفضل
وسيكون أقرب لتحقيق أحلامه.
ببساطة ، تسهل اللغة
الأم التعلم. يتعلم الأطفال بشكل أفضل باللغة المألوفة لديهم. تعلم اللغة الأم الطفل
منذ صغره القراءة والكتابة وتعلم المحتوى. وهي غاية في الأهمية في بدايات التعليم.
تشير دراسات ديكر واليونسكو أن الطفل يكتسب مهارات القراءة والكتابة بسلاسة وبسرعة
أكبر.[1]
ولا يستغنى عن اللغات
الأخرى لأنها تعزز الذكاء وتحسن الذاكرة وتزيد القدرة على التعامل مع المعلومات البصرية
و اللفظية المتضاربة وتنمي المهارات الإجتماعية واكتساب الفوائد الثقافية وتحسين
فرص العمل وتحسين القدرة على حل المعضلات وتطور أيضاً من اللغة الأم.
قادت العولمة الكثير من
دول العالم الى تدريس أجيالها باللغة الإنجليزية بهدف بناء مستقبل أفضل لتجد بعد
فترة أن المتعلمين بلغة غير لغتهم الأصلية ربما طورت الطلاقة في اللغة المستهدفة بعد
حوالي عامين ، ولكن في الواقع استغرقوا ما
بين 5-7 سنوات لكي يكونوا على نفس مستوى العمل مع نظرائهم الذين يتحدثون بلغتهم الأم.
نجد اليوم أن معظم الدول
المتفوقة في العالم في اختبارات "بيزا" و"تيمز" و"بيرلز"
العالمية تدرس مناهجها بإستخدام اللغة الأم مثل اليابان وكوريا الجنوبية وهونغ
كونغ وتايوان وماليزيا وتركيا واسرائيل وفنلنده والنرويج والبرازيل والبرتغال
وبولنده واسبانيا واستونيا وسويسرا ولاتفيا. ومعنى ذلك أن اللغة الإنجليزية لا
تأثير لها على مستوى التحصيل والتفوق.
إذا لنبحث بعمق أكثر في
الدراسات التي توصل إليها المنظرين والتجارب التي طبقها الممارسين والنتائج التي
حصلوا عليها حول إستخدام اللغة الأم واللغة الثنائية وأكثر.
دراسة بحثية
وجدت دراسة "مينغ
مينغ جيو أنه "حتى وان كان لدى الطلاب الناطقين بغير لغتهم الأم مواقف أفضل تجاه المدرسة فإنها لا تعتبر كافية للتغلب
على والتميز عن الطالب الناطق بلغته الأم. كما وجدت الدراسة أن علاقة الطلاب الناطقين
بغير لغتهم الأم بمعلمهم الناطق بلغته
الأم تكون في الأغلب الأحيان ضعيفة لا تساعد على الإنتماء الى المدرسة.[2]
وحسب دراسة شارون
كارستين ، فالتوسع في الدراسة بلغات أجنبية في المرحلة الإبتدائية والإعدادية مهم
لتعلم لغة وثقافات العالم. ماذا يصلح وماذا لا يصلح للمنهج الدراسي وتطويره يتطلب
دراسات متأنية وحذرة. وتضيف أن المواطن الأمريكي يحتاج خمسة أضعاف الجهد لتعلم
اللغة الصينية مقارنة باللغة الإسبانية. لذا فإن دراسة المحتوى المطلوب بمثل هذه
اللغات يزيد الجهد على المتعلم في محاولة فهم التفاصيل مما يؤدي الى ضياع المعنى
الرئيسي والذي هو هدف المنهج المرسوم. فاللغة الأجنبية تصلح لدراسة الثقافات
والفنون والدراسات المتعلقة بالحياة اليومية التي يعيشها الإنسان.[3]
وجد جيم كامينز أن الأطفال
الذين يتمتعون بأساس متين في لغتهم الأم قادرون على تطوير معرفة القراءة والكتابة بقدرات
أقوى تمكنهم لاحقاً باستخدام ما لديهم من الانتقال الى فهم وتعلم اللغة الثانية
بكفاءة.[4]
ويؤكد نولاسكو حسب الأبحاث
أن الطلاب الذين يتحدثون لغة وطنهم يحققون إنجازاً أعلى في مفاهيم ومعارف ومهارات الرياضيات
و العلوم في مسابقات الرياضيات الدولية [5] ، والدول ذات الأداء العالي
هي تلك التي تسمح للطلاب باستخدام لغة وطنهم.[6]
كما وجد يونغ أن العديد من
الأطفال في الفلبين يتعلمون الرياضيات باللغة التي لا يفهمونها. ويلاحظ أن اللغة الأم
لمعظم الأطفال الفلبينيين ليست الفلبينية ولا الانكليزية. قد يساعد استخدام هاتين
اللغتين الطفل اضطلاع مهام أساسية في محيطه ولكن سيتسبب له بإعاقة في المناطق المعرفية
وغير المعرفية مثل المواظبة على الدراسة، ومفهوم الذات، واحترام الذات والتكيف العاطفي
والإجتماعي، والتطور الأخلاقي.[7] والطفل الذي لا يستخدم الإنجليزية
في بيته ولا في اللعب مع أصدقاؤه تكون اللغة الإنجليزية لغة أجنبية بالنسبة له. ربما
يعشق الطفل الاستماع إلى صوت غريب متوهج بالكلمات في البداية ، ولكن عندما يتطلب الدرس
مهارات فكرية ومعرفية ، يبدأ بالشعور بخيبة أمل بسبب تعطل الاتصالات بين المعلم والطفل؛
وبين الطفل والمفهوم المجهول لديه. يقول يونغ ان العديد من الطلاب اليوم يتركون المدرسة
في وقت مبكر جدا لأن لغة التدريس فشلت في تسهيل تعلمهم.[8]
وتجدر الإشارة أن اختيار
لغة التدريس لا تعتمد فقط على الأهداف والعمليات التعليمية ولكنها نظام مترابط معقدة
من المعارف والإجراءات التي تؤثر على التحصيل. وبسبب تواجد تمثيل متعدد من المعارف
، فقد يتطلب أنشطة مختلفة في سياقات مختلفة وأيضا لغات مختلفة لإيصال المعرفة.[9] على سبيل المثال ، في دراسة التأثيرات
المتباينة من قدرة الرياضيات واستخدام اللغة على المفاهيم المعرفية والحسابية لمادة
الإحصاءات الوصفية التي تم اختبارها للمتعلمين بلغتين ، وجد "رايس" أن اللغة
الأم سهلت الأداء في مجال المعارف المفاهيمية ولكن ليس في المعرفة الحسابية.[10] وبالمثل ، كشف عدد من الدراسات
التي أجراها برناردو أنه من حيث فهم المشاكل، كان الطلاب الذين أتقنوا لغتهم الأم أكثر
فعالية. على النقيض من ذلك ، تكبد الطلاب المزيد من الأخطاء في الفهم والإستيعاب عندما
استخدموا لغتهم الثانية.9
أيضاً ، خلصت دراسة "نيسيتي جنال" أن كل من المعلمين
و مديري المدارس يرون أن اللغة الأم هي اللغة الفعالة للتدريس.[11]
تتصل المشكلة الرئيسية لتيسير
تعلم الرياضيات بلغة التدريس. على سبيل المثال ، لاحظ كوبلاند أنه عندما يفشل الأطفال
في الرياضيات ، فذلك لأنهم لا يفهمون الدروس ، وليس المادة. يدعي كوبلاند أن عدم قدرة
الطفل على التعامل مع الرياضيات يرجع الى الإنتقال السريع المفرط بين مضمون اللغة (المنطق)
إلى بدء العملية الحسابية (الأرقام الحسابية). ينطوي هذا المرور السريع على مسار معقد
من الإجراءات، مثل تعلم معارف ومهارات جديدة والبناء الفعلي للمعنى ومراقبة ورصد عملية
المرء من فهم والسياق المادي والاجتماعي والثقافي لمهمة التعلم، والفروق الفردية للمتعلمين.[12]
وكما تتأثر عملية التعلم من خلال السياق المادي والاجتماعي والثقافي
لمهمة التعلم، تتأثر نوعية التفاعل بين الطفل والآخرين المهمين من حوله بلغة
التخاطب في المنزل أو في المدرسة أو في المجتمع. وقد أثبتت الدراسات أن استخدام
اللغة الأم يخلق شعورا بالفخر في استخدام لغة الوطن ؛ وعليه ، يرتفع احترام الذات
للطفل والقضاء على المخاوف والموانع التي يشعر بها بإستخدام لغة ثانية.[13]
تجربة من قطر
ان التحول الى اللغة
الإنجليزية لا يحل مشكلات تدني أداء الطلاب ومشاكل أنظمة التعليم. كما أن تحول جزء
بسيط من العالم العربي للتدريس باللغة الأجنبية يعتبر عامل تفرقة داخلي وخارجي بين
تضامن وتعاون واتحاد الدول العربية وبالتالي يهدد هويتها ويقود الى تفككها. تقول أورسولا ليندسي أن جامعة قطر أدخلت اللغة
الإنجليزية كأحد الإصلاحات في التعليم منذ عام 2003م حيث قالت رئيسة الجامعة أنها
تنظر الى اللغة الإنجليزية كمهارة مثل الكمبيوتر والإنترنت.[14] ولكن أي لغة لها منهجها
وقيمها وقواعدها المتكاملة. لقد خاضت قطر العديد من المشاكل بسبب اختبارات القبول
وبرامج التقوية المطلوبة وعزوف الطلاب. ولكن عندما أعلن المجلس الأعلى للتعليم عام
2012م أن اللغة العربية ستكون اللغة الرسمية للتدريس ، تضاعف التسجيل بالجامعة الى
اكثر من عشرة آلاف طالب وطالبة. أيضا كان لمدارس دولة قطر تجربة مع تدريس المواد
العلمية باللغة الإنجليزية والتي تغيرت بعد سنوات من تجارب غير ناجحة الى استخدام
اللغة العربية كلغة التدريس لها.
أهمية المحافظة على لغتنا العربية
اللغة العربية هي لغة
القرآن. ولا يمكن أن تضيع مهما تعولمت الأقطار لأنها لغة القرآن المحفوظة: " إنا
نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون". ولأنها لغة الإسلام ، ترتبط بالعقيدة
الإسلامية التي نجلها. وتتميز اللغة العربية بمفرداتها ومرادفاتها الغنية الثرية
بالمعاني التي تشرح سياق وفحوى الحديث بالضبط. كما لها تأثير في التعبير بالكنايات
والمجازات والإستعارات. وللدلالة على ذلك ، ذكر الزبيدي في مختصر
"العين" أن المستخدم من الكلمات 5.620 في اللغة العربية والمهمل 6.600.093 كلمة.[15] كما أنها الأساس للعديد من
اللغات مثل التركية والأوردو والفارسية واللغة الإنجليزية. ولقد وحدت اللغة
العربية أقطاراً كثيرة. فهي اللغة الرسمية لجميع الأقطار العربية. ومن مميزات
اللغة العربية الإيجاز. حاول أن تترجم من اللغة الإنجليزية الى العربية ستجد أن
عدد الكلمات العربية أقل بكثير خصوصاً في ترجمة كتاب.
لذا فتميزنا وتنافسنا مع الآخرين لن يكون إلا بعد
قناعة بقوة لغتنا العربية الأصيلة واعتزازنا بها وتمسكنا باستخدامها في تيسير
امورنا. ويعتبر الحفاظ على اللغة العربية واجباً من واجبات تربيتنا ويستوجب غرس قيم
الإنتماء والولاء لعروبتنا الاسلامية وتنمية الشعور القوي بالهوية العربية الاسلامية.
فمجتمعنا القطري مجتمع محافظ وهو
إمتداد موروث من الآباء والأمهات والأسلاف الأولين. ومن شأن طبيعة هذا المجتمع
المحافظ توفير الحصانة الطبيعية ضد الغزو الفكري والثقافي الذي يهدد عروبتنا
وإسلامنا. ولأننا في قطر أثبتنا الريادة في شتى المجالات ، نستطيع أن نبادر بقيادة
وتطوير مناهجنا والإستفادة من المناهج الأجنبية ولكن بتطويعها الى لغتنا الأم.
لا تلمني في هواها
... ليس يرضيني سواها (حليم بن إبراهيم جريس دَمّوس (
لا تلمني في هواها ... ليس يرضيني سواها
لست وحدي أفتديها ... كلنا اليوم فداها
نزلت في كل نفس ... وتمشّت في دماها
فبِها الأم تغنّت ... وبها الوالد فاها
وبها الفن تجلى ... وبها العلمُ تباهى
كلما مرّ زمان ... زادها مجدا وجاها
لغة الأجداد هذي ... رفع الله لواها
فأعيدوا يا بنيها ... نهضة تحيي رجاها
لم يمت شعب تفانى ... في هواها واصطفاها
لا تلمني في هواها ... ليس يرضيني سواها
لست وحدي أفتديها ... كلنا اليوم فداها
نزلت في كل نفس ... وتمشّت في دماها
فبِها الأم تغنّت ... وبها الوالد فاها
وبها الفن تجلى ... وبها العلمُ تباهى
كلما مرّ زمان ... زادها مجدا وجاها
لغة الأجداد هذي ... رفع الله لواها
فأعيدوا يا بنيها ... نهضة تحيي رجاها
لم يمت شعب تفانى ... في هواها واصطفاها
Endnotes
[1] Dekker, D. E.
(2003). A case study of the first language component bridging program in rural
Philippines. Philippine Journal of Linguistics, 143-149.
[2] Ming Ming Chiu, Suet-ling Pong, Izumi
Mori, and Bonnie Wing-Yin Chow. Immigrant Students’ Emotional and Cognitive
Engagement at School: A Multilevel Analysis of Students in 41 countries. J Youth
Adolescence (2012) 41:1409–1425
[3]
Sharon Carstens. Bilengual
Education for Global Citizenship. Human Organization, Vol 74. No1. 2015: 24
[4] Cummins, Jim
(2000). Bilingual children's mother tongue: Why is it important for education?
Sprogforum Nr. 19, 2001, 15-20.
[5] Nolasco, M.D.N. (2010). Fixing
education through language. In Nolasco, R.M.D., Datar, F.A.,Azurin, A.M. (Eds.)
Starting where the Children Are: A Collection of Essays on Mother Tongue-Based
Multilingual Education and Language Issues in the Philippines, Quezon
City:170+Talaytayan MLE Inc., 85-87.
[6] Azurin,A. M. (2010). Reinventing
basic education: the shift to mother tongue-based instruction. In Nolasco,
R.M.D., Datar, F.A.,Azurin, A.M. (Eds.) Starting where the Children Are: A
Collection of Essays on Mother Tongue-Based Multilingual Education and Language
Issues in the Philippines, Quezon City:170+Talaytayan MLE Inc., 1-6.
[7] Dekker, D. E. (1999). Leaving home:
my language or yours? In Bautista, M. L.S. and Tan, G.O. (Eds.) The Filipino Bilingual:
a multidisciplinary perspective. Linguistic Society of the Philippines, Manila,
Philippines. (103-110)
[8] Young, C. (2003). First language: a
foundation for effective basic Education. Philippine Journal of Linguistics, 34
(1), 123-131.
[9] Bernardo, A.B.I. (1999). Defining
the domains and levels of literacy development for Filipino bilinguals: issues
and prospects. In Bautista, M. L. S. and Tan, G.O. (Eds.) The Filipino
Bilingual: a multidisciplinary perspective. Linguistic Society of the
Philippines, Manila, Philippines. (73-86)
[10] Reyes, M. L. (2000). Differential
effects of mathematical ability and language use on computational and
conceptual knowledge of descriptive statistics. The Asia-Pacific Education
Researcher, 9 (1), 83-115.
[11] Nicette Ganal. Demographic Profile and
Perception of Teachers and School Heads on Mother Tongue as Language of
Instruction. Indian Journal of
Management Science (Ijms). Vol.– IV, Issue – 3, Dec. 2014
[12] Copeland, R. W. (1984). How children
learn mathematics: teaching implications of Piaget’s research. New York:
Macmillan Publishing Company. (359-365)
[13] Arzadon, C. (2010). Dedicated to cause
greater than themselves. In Nolasco, R.M.D., Datar, F.A., Azurin, A.M. (Eds.) Starting
Where the Children Are: A Collection of Essays on Mother Tongue-Based
Multilingual Education and Language Issues in the Philippines, Quezon
City:170+Talaytayan MLE Inc., 12-17.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق