التمييز ضد كبار السن
من أرقى عاداتنا وثقافتنا العربية إحترام كبار السن. فهو تقدير لما بذلوا وأعطوا ولخبراتهم التي تُنقَل لمن هو أصغر منهم. واحترامهم قيمة تغرس هذه الثقافة في صغارنا تزيدهم ثقة بأنفسهم لأنهم يوماً ما سيصبحوا في نفس السن وسيحترمهم وسيقدرهم مجتمعهم. تعلمنا هذه الثقافة من ديننا الحنيف. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا" "رواه الترمذي". وكذلك "يسلم الصغير على الكبير والمار على القاعد والقليل على الكثير" "رواه البخاري". وعن فضل المسنين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بخياركم قالوا بلى يا رسول الله قال: خياركم أطولكم أعماراً وأحسنكم أخلاقاً" "رواه أحمد".
لقد حمت حكمة الآباء وقوة الأبناء أوطاننا من الغزو الفكري والجغرافي على مدى العهود ، وعندما ضعفت تحت ضغوطات الدول العظمى ، تغلغلت العولمة اليوم في سياساتنا واقتصادنا ومجتمعاتنا. وأصبحنا ننتهج سياساتهم ونطبق دراساتهم. أصبحنا لا نسمع حكمة شيوخنا وخبراتهم ، إنما نوظِف كما يوظِفون حتى أصبح الموظَف عندنا مديراً بسرعة هائلة متخطياً سنين الخبرة المطلوب اكتسابها ليصبح مديراً بلا خبرة. وكأننا تجاهلنا ان الخبرة لا يمكن تعلمها أو إستبدالها بلا ممارسة فعلية. وتصارع الشباب مع كبار السن على المناصب حتى اصبح الفكر السائد أن الشباب هم قادة المستقبل.
بدأ التمييز ضد كبار السن على مستوى العالم حتى أصبح معدل توظيفهم أقل من الشباب وأصبحوا يستغرقون وقتاً أطول في البحث عن وظيفة. وان حصلوا عليها فبدرجات وظيفية اقل ورواتب أقل. ويُقالون من اعمالهم باسباب واهية مثل تقليص المنظومة وترشيد الانفاق او برنامج التقاعد المبكر او السن المحدد للتقاعد.
يواجه كبار السن تمييزاً في العمل بسبب اوهام واعتقادات غير صحيحة أو ربما نتيجةً لبعض الدراسات المتحيزة أو تلك التي شابتها الأخطاء. وربما أخطأ البعض تفسير بعض الدراسات الادارية التي إدّعت أن الشباب هم من يجب عليهم قيادة عالمنا المعاصر. يعتقدون ان كبار السن سينهكون وسيحترقون من ضغوط العمل وبأنهم يقاومون التكنولوجيا الحديثة وسيتغيبون عن العمل بسبب امراضهم ولن يتمكنوا من العمل مع المشرفين من الشباب. لا يستطيعون السفر او يترددون ، وهم اقل ابداعاً واقل انتاجاً. وأيضاً ، كبار السن أبطأ بالمهارات الفكرية واستقطابهم مكلف.
الا ان الدراسات الاقتصادية والديموغرافية والنفسية تدحض هذه المعتقدات. يقول مؤلف كتاب "ادارة كبار السن" البروفيسور بيتر كابيللي والذي كتبه مع البروفيسور بيل نوفيللي من جامعة جورج تاون أن "كبار السن اثبتوا مراراً وتكراراً تغلبهم القوي على صغار السن. فكل وجه من اوجه أداء العمل يتحسن عندما نكبر. كنت اعتقد أن الصورة مختلطة ولكنها ليست كذلك. ان التمييز الذي يواجه كبار السن في اسواق العمل لا منطق له".
لقد سجل كبار السن درجات اعلى في القيادة والمهام كثيفة التفاصيل والتنظيم والاستماع ومهارات الكتابة وحل المشاكل وحتى في علم الحاسب الآلي. وهذه المهارات هي أساس توظيف القادة والمدراء وهي ركيزة من سينجح في الوظائف الأخرى.
ولقد وجدت دراسة من جامعة ولاية كارولاينا الشمالية ان المبرمجين من كبار السن يعرفون مواضيع اكثر من الشباب ويجيبون على الاسئلة بطريقة أفضل ويتأقلمون افضل في بعض الأنظمة الجديدة. ويعتقد زميلهم ايمرسون مورفي هيل ان الشخص الذي يعرف التكنولوجيا القديمة لن تصعب عليه معرفة التكنولوجيا الحديثة.
ويضيف بيتر كابيللي ان كبار السن لديهم حوافز كامنة نابعة من المجتمع ورسالته وهدف ايجاد عالم أفضل ، بينما تكمن حوافز صغار السن في الحصول على الراتب والترقية.
ولكن افضل ما يقدمه كبار السن هو الخبرة والحكمة. لقد تعلموا كيفية التعايش مع الناس وحل المعاضل بدون اللجوء الى المساعدة وخلق اجواء تشوبها الفوضى. كما توفر الخبرة لصاحبها حسن التدبير والحكم على الأمور. بينما في المقابل نجد ان صغار السن يتمتعون بسمعة البراعة في استبدال المهام التي يفرضها المكتب الحديث والمتصفة بالتشتيت التكنولوجي.
ولكن حسب ما يعتقد عالم الأعصاب والطبيب آدم غزالي من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو فإن التعامل مع مهمتين في نفس الوقت قد أُسيئَ تعريفها. فعقل الانسان لا يمكن ان يتعامل مع مهمتين في نفس الوقت. فهو ينتقل بين مهمة ومهمة أخرى. فالعامل الخبير سيوصد الباب ويغلق المشتتات الالكترونية. وهذا يفسر لماذا يسجل بعض كبار السن درجات اقل في الاختبارات الفكرية في مختبرات الفحص ولكن في العمل لا يقل أداؤهم ولا يتعرضون لاصابات عمل مقارنة بالشباب. فالحرص والسلامة يأتيان مع الخبرة.
كما يتميز كبار السن بالولاء وبأخلاقيات المهنة علاوة على أن علاقاتهم مع معارفهم أقوى متانة.
وخلاصة القول إن من سمات العقل البشري التكيف وكل شخص بإمكانه أن يتلقى المعرفة ويكتسب المهارات الجديدة طوال فترة حياته مهما كان عمره اذا ما حصل على فرصة. لذا فالاعتقاد السائد بأن كبار السن أقل كفاءة هو مجرد وَهْمٌ لا صحة له وتدحضه جميع الدراسات النفسية والاقتصادية والاجتماعية.
المراجع:
حقائق مدهشة عن كبار السن. بيتر اومانسكي. AARP Guide. ١١ يوليو ٢٠١٦م صفحة ١٥
دراسة: كبار السن أكثر حماسا للعمل من الشباب. جريدة الرياض ١١ سبتمبر ٢٠١٥م
خمسة اسباب وجيهة لتوظيف كبار السن. المنتدى المفتوح. فيفيان جيانغ . اغسطس ٢٠١٣م
دراسات تدحض قدرات اقل لدى كبار السن. The Register Guard. ٤ ابريل ١٩٧٦م صفحة ٥
الكثير من الأزمات تتم إدارتها بأقل الضرر بفضل الخبرة التي تعتبر الأساس والجذور المستمد منها لإكتمال وشمولية الأهداف المراد تحقيقها ، وإلا بدأنا بصنع العجلة منذ البداية بدلاً من تطويرها .
ردحذفكبار السن والشباب ، الخبرة والحنكة والعطاء لدى كبار السن ، والحماس والطموح والشغف لدى الشباب ، أمران لابد من تواجدهما معاً ليكّونا طريقاً ناجحاً من جميع الأوجه .
وببساطة الأب في أسرته عنصراً هاماً في دفع مسيرة الحياة بأبوته وقيمه ومبادئه وكل خبراته ونقلها إلى أبنائه للإستمرارية في البناء والحياة وعمار الأرض مثالاً للتكامل بين كبار السن والشباب
شكراً على التعليق
ردحذف