العناقيد
الرقمية الحاكمة
نعيش اليوم في
عصر يتجدد يومياً بعد أن كنا نعتقد قبل عشرة سنوات فقط أننا نتغير سنوياً. ولكننا
حتى اليوم ، ندير أمورنا ونحتكم لأنظمة الخمسينات وما قبلها كالحكومات
الديموقراطية أو الملكية أو الديكتاتورية. أصبحت لدينا مشكلة توافق تحتاج إلى علاج
وإلا سادت الفوضى مثلما نراه اليوم. فكل شخص لديه على الأقل عنقود رقمي خاص يخصه
مع المقربين منه وكذلك عنقود رقمي عام أو أكثر مع مجموعة يتوافق معها من الأصدقاء
والزملاء والمتابعين. والفضاء مفتوح له
ليصل إلى أي شخص في أي وقت وفي أي مكان. أمر مخيف فعلاً لأن إحتمالية التعرض
لمساوئ هذه التقنية ذات درجة عالية مما يقود إلى التعصب والغضب وعدم التسامح والتشجيع
على إرتكاب الجنح والجرائم التي لا يستوعبها الشخص في تلك اللحظة السريعة والتي
بإعتقاده يتحتم أن يقتنص فترة الرد قبل أن يخبت الحدث.
ولدينا الأمثلة
كثيرة عن كامبريدج اناليتيكا التي ازعجت العالم حول التجسس على بيانات مستخدمي
الفيسبوك والتأثير عليهم في الحملات الإنتخابية الأمريكية ، والتدخل الروسي في
الإنتخابات الأمريكية عام 2016م. وقبلها كان تأثير اليوتيوب وتويتر والفسيبوك في
الحركة الخضراء بإيران ، ومنصات الشبكات الإجتماعية في ثورات الربيع العربي.
أصبحنا نهتم
بالسياسسة أكثر وإنخرطنا فيها كممثلين عن دولنا ومجتمعاتنا من دون تفويض أو
صلاحيات. وأصبح صوت الأقليات ذا تأثير ضخم. وأصبحنا ننشئ منظمات إفتراضية تعزز
أهدافنا وتنشرها وتدافع عنها. ويؤمن مستخدم الشبكات الإجتماعية بقدرات هذه
العناقيد الرقمية في تغيير الأوضاع.
تتصف الشبكات
الإجتماعية باللامركزية ويصعب التحكم بها وتنتشر بسرعة ويستغلها البعض لأجندته
الخاصة. وهي التي تحكم اليوم. ليس الرئيس او عضو البرلمان
أو حتى الحكومة. أيضاً، كل شخص يستلم رسالة مختلفة وهذا ربما يغضبنا ولا يجعلنا
متسامحين. ولكن من مميزاتها ، أنه مع الوقت وبعد تحليل البيانات الكبيرة للشبكات الإجتماعية ستكون آراؤك وتوجهاتك نحو
موضوع معين من السهل التنبؤ بها. وهذه ميزة يمكن إستغلالها لإدارة آراء فعالة.
ربما نتطرق هنا
إلى أن الواقع يثبت أن المؤسسات المدنية الحقيقة لا زالت هي الأفضل في إحداث
التغيير من الإفتراضية لأن لها حملات وإعلام يغطيها وإجراءات قانونية تسندها. وتختلف
الحملات الإفتراضية العلنية عن الحملات الواقعية في أن الأولى تحاول إرضاء آراء
العامة بينما الحملات الحقيقية تكون خاصة وتتوافق مع قيم الشخص نفسه.
ولكن أثبتت
الحملات الواقعية اليوم صعوبة تنظيمها. لذا فما هو السبيل الفعال إلى تقنين هذه
التقنية لتصبح أداة مشاركة حقيقية للمواطن في سياسات الحكومة يستفيد منها الطرفان
بدون وسطاء: الشخص والحكومة.
الحل اليوم يكمن
في إدارتها وتشفير وترميز وتصنيف مستخدميها المواطنين ليضيفوا بعداً جديداً على
العملية الديموقراطية يسندون الحكومة وأعضاء البرلمان ويشاركون في العملية
السياسية لبلادهم. يمكن أن يمنح كل مواطن هوية رقمية للمشاركة في المواضيع التي تهمه من
سياسات الحكومة. وتدار من خلال تطبيق مشفر خاص لهذه الغاية يوفر الوصول الآمن لكل
مواطن ليصوت أو يدلي برأية من خلال إستبانة أو إبداء رأي مباشر. تحتاج العملية
إدارة بيانات وتحليل وتأمين وشفافية.
استخدام واعتماد هذه الطريقة في الإدارة السياسية يسمح بمساهمة الكفاءات ويقلل التكلفة ويزيد الإنتاجية
والابتكار ، ولكنه لا يأتي دون عيوب. وسيتطلب التعاون الكبير وإنشاء عمليات جديدة ومبتكرة
لتحقيق النتيجة المرجوة.